الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

وقولُه عز وجل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] قال ابنُ عباس ، وغيرُه : سبب هذه الآية : أَن النبي صلى الله عليه وسلم أَبْطَأَ عنه جِبْرِيلُ عليه السلام مدَّةَ فَلما جاءه قال : ( يَا جِبْرِيلُ ، قَدِ اشتقت إلَيْكَ ، أَفلاَ تزورَنا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورَنَا ) فنزلت هذه الآية ، وقال الضَّحَّاكُ ، ومجاهدٌ : سببها أَن جِبْريلَ تأخَّر عن النبي صلى الله عليه وسلم عند قَوْلِه في السؤالات المتقدِّمَةِ في سُورةِ الكَهْفِ : «غَداً أُخْبِرُكُمْ » .

وقال الدَّاُودِيُّ عن مجاهدٍ : أَبطأت الرسل عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم أَتى جِبْرِيلُ عليه السلام قال : ما حَبَسَكَ ؟ قال : وكَيْفَ نَأْتِيكُم . وأَنْتُمْ لاَ تَقُصُّونَ أَظْفَارَكُمْ . وَلاَ تَأْخُذُونَ شَوَارِبَكُمْ وَلاَ تَسْتَاكُونَ ، وَمَا نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ . انتهى . وقد جاءت في فَضْل السواك آثَارٌ كثيرة ، فمنها : ما رواه البزارُ في «مسنده » عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال : ( إنَّ العَبْدَ إذَا تَسوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ، قَامَ المَلَكُ خَلْفه ، فَيَسْمَعُ لِقَرَاءَتِهِ ، فَيَدْنُو مِنْهُ حتى يَضَعَ فَاهُ على فِيهِ ، فما يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ إلاَّ صَارَ فِي جَوْفِ المَلَكِ ) انتهى من «الكوكب الدري » ، وفيه : عن ابنِ أَبِي شَيْبَة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال : ( صَلاَةٌ عَلَى إثْرِ سِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلاَةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ ) انتهى .

وفي «البخاري » : أَنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاة لِلرَّبِّ . اه .

وقوله سبحانه : { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } المقصودُ بهذه الآية الإشعارُ بملك اللّه تعالى لملائكته ، وأن قَلِيلَ تصرُّفِهِم ، وكَثِيرَه إنما هو بأَمْره وانتقالهم مِنْ مَكانٍ إلى مَكانٍ إنَّما [ هو ] بحدٍّ منه .

وقولُه : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أَيْ : ممن يلحقُه نِسيانٌ لبعثنا إليك ، ف{ نَسِيّاً } . فَعِيلٌ من النّسْيانِ ، وهو الذُّهُولُ عن الأُمور . وقرأ ابنُ مسْعودٍ : «وَمَا نَسِيَكَ رَبُّكَ » .