الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

الأنعام قيل كلها مكية إلا آيات يسيرة قال ابن عباس : نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون ألف ملك ، لهم زجل ، يجأرون بالتسبيح ، قلت : وعن جابر بن عبد الله قال لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق ) رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " وقال صحيح على شرط مسلم ، انتهى من " السلاح " .

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { الحمد لِلَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور }[ الأنعام :1 ] .

قال علي بن عبد الرحمن اليفرني في شرحه ل «البرهانية » ، قال الإمام الفَخْرُ : لفظ ( الحمد ) مُعَرَّفاً لا يُقَالُ إلا في حَقِّ اللَّه عز وجل ، لأنه يدلُّ على التعظيم ، ولا يجوز أن يقال : الحمد لِزَيْدٍ ، قاله سيبويه .

وذكر ابن العَرَبِيِّ في «القانون » عن أنس ، أن النبيِ صلى الله عليه وسلم قال : ( ما مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إلى اللَّهِ مِنَ الحَمْدَ ، وأَبْلَغُ الحَمْدِ ، الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ) . قال ابن العربي : وفي بعض الآثار : ( ما من نِعْمَةٍ عَظْمَتْ إلا والحمد للَّه أعْظَمُ منها ) ، انتهى .

قال ( ع ) : و{ جَعَلَ } هاهنا بمعنى : «خلق » ، ولا يجوز غَيْرُ ذلك ، قال قتادة ، والسُّدِّيُّ ، وجمهور من المفسرين : ( الظلمات ) الليل ، ( والنور ) النهار ، وقالت فرقة : ( الظُّلمات ) الكُفْرُ ، ( والنور ) الإيمان .

قال ( ع ) : وهذا على جهة التَّشْبِيهِ صحيح ، وعلى ما يفهمه عُبَّادُ الأوثان غير جيد ، لأنه إخراج لَفْظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى بَاطِنٍ لغير ضَرُورَةٍ ، وهذا هو طريق اللُّغْزِ الذي بَرِئَ القُرْآنُ منه ، والنور أيضاً هنا لِلْجِنْسِ .

وقوله تعالى : { ثُمَّ } دالة على قُبْحِ فعل الذين كَفَرُوا ، لأن المعنى : أن خلقه السَّمَوَاتِ والأَرْض ، وغيرها الموجبة لحمده ، وتوحيده ، قد تقرر ، وآياته قد سَطَعَتْ ، وإنعامه بِذَلِكَ على العباد قد تَبَيَّنَ ، فكان الواجب عليهم إخْلاَصَ التوحيد له ، ثم هم بعد هذا كله { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي : يُسَوّون ، ويمثلون ، وعدل الشيء قرينه ومَثِيلُهُ .

و{ الذين كَفَرُواْ } في هذا المَوْضِعِ كل من عَبَدَ شَيْئاً سوى اللَّه ، إلا أن السَّابِقَ من حال النبي صلى الله عليه وسلم أن الإشَارَةَ إلى عَبَدَةِ الأوثان من العرب ، لمجاورتهم له ، ولفظ الآية أيضاً يشير إلى المَانَوِيَّةِ العابدين للنور ، القائلين : أن الخَيْرَ من فِعْلِ النور ، والشر من فِعْلِ الظلام .