قوله سبحانه : { وَهُوَ الله فِي السموات وَفِي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ }[ الأنعام :3 ] .
قاعدة الكلام في هذه الآية : أن حُلُولَ اللَّه في الأمَاكِنِ مُسْتَحِيلٌ تعالى أن يَحْوِيَهُ مكان ، كما تَقَدَّسَ أن يَحُدَّهُ زمان ، بل كان قبل أن خَلَقَ المكان والزمان ، وهو الآن على ما عليه كان .
وإذا تَقَرَّرَ هذا ، فقالت فرقة من العلماء : تَأْوِيلُ ذلك على تقدير صِفَةٍ محذوفة من اللفظ ثَابِتَةٍ في المعنى ، كأنه قال : وهو اللَّه المَعْبُودُ في السموات وفي الأرض ، وعبر بعضهم بأن قدر : وهو اللَّه المدبر للأمر في السموات والأرض .
وقال الزَّجَّاجُ : { فِي } متعلقة بما تَضَمَّنَهُ اسْمُ اللَّه من المعاني ، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المَشْرِقِ والمغرب .
قال ( ع ) : وهذا عِنْدِي أَفْضَلُ الأقوال ، وأكثرها إحرازاً لِفَصَاحَةِ اللفظ ، وجزالة المعنى ، وإيضاحه : أنه أراد أن يَدُلَّ على خلقه ، وآثار قدرته ، وإحاطته ، واستيلائه ، ونحو هذه الصفات ، فجمع هذه كلها في قَوْلِهِ : { وَهُوَ الله } أي : الذي له هذه كلها ( في السموات ، وفي الأرض ) ، كأنه قال : وهو اللَّه الخَالِقُ ، الرازق ، المحيي ، المحيط في السموات وفي الأرض ، كما تقول : زيد السلطان في المَشْرِقِ ، والمغرب والشام ، و العراق ، فلو قصدت ذَاتَ زَيْد لَقُلْتَ مُحَالاً ، وإذا كان مَقْصِدُ قولك الآمِرَ ، النَّاهِيَ ، الناقض ، المُبْرِمَ ، الذي يعزل ، ويُوَلِّي ، في المشرق والمغرب ، فأقمت السلطان مقام هذه ، كان فصيحاً صحيحاً ، فكذلك في الآية أقام لَفْظَةَ { الله } مقام تلك الصِّفَاتِ المذكورة ، وقالت فرقة : { وَهُوَ الله } ابتداء وخَبَرٌ ، تم الكَلاَمُ عنده ، ثم استأنف ، وتعلق قوله : { فِي السموات } بمفعول { يَعْلَمْ } ، كأنه قال : وهو اللَّه ( يَعْلَم سِرَّكُمْ وجهركم ) في السموات ، وفي الأرض .
وقوله تعالى : { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } خبر في ضمنه تَحْذِيرٌ وزَجْرٌ ، و{ تَكْسِبُونَ } لفظ عام لجميع الاعْتِقَادَاتِ ، والأقوال ، والأفعال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.