الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

قوله سبحانه : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم فِي الأرض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ }[ الأنعام :6 ] .

هذا حَضٌّ على العِبْرَةِ ، والرؤية هنا رُؤْيَةُ القلب ، والقَرْنُ : الأمة المقترنة في مُدَّةٍ من الزمن ، واختلف في مدة القَرْنِ كم هي ؟ فالأكثر على أنها مائة سَنَةٍ ، وقيل غير هذا .

وقيل : القَرْنُ الزمن نَفْسُهُ ، وهو على حَذْفِ مضاف ، تقديره : من أَهْلِ قرن ، قال عياض في «الإكمال » : واختلف في لَفْظِ القَرْنِ ، وذكر الحربي فيه الاخْتِلاَفَ من عَشْرِ سنين إلى مائة وعشرين ، ثم قال يعني الحربي : وليس منه شيء وَاضِحٌ ، وأرى القرن كُلّ أمة هَلَكَتْ ، فلم يَبْقَ منها أحد ، انتهى .

والضمير في { مكناهم } عائد على القَرْنِ ، والمخاطبة في { لَكُمْ } هي للمؤمنين ، ولجميع المُعَاصِرِينَ لهم من سائر الناس ، و{ السماء } هنا المَطَرُ ، و { مِّدْرَاراً } بناء تكثير ، ومعناه : يدرُّ عليهم بِحَسَبِ المنفعة .

وقوله سبحانه : { وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخرِينَ } ، { أَنشَأْنَا } : اخترعنا ، وخلقنا ، ويظهر من الآية أن القَرْنَ إنما هو وَفَاةُ الأَشْيَاخِ ، ثم وِلاَدَةُ الأطفال .