الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ} (14)

و{ تزكى } معناه : طَهَّرَ نَفْسَه ونماها بالخيرِ ، ومِنَ «الأربعين حديثاً » المسندةِ لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري الإمامِ المحدثِ قال في آخرها : وحديثُ تمامِ الأربعينَ حديثاً ؛ وهو حديثٌ كبيرٌ جامعٌ لكلِّ خيرٍ ؛ حدَّثنا أبو بكرٍ جعفرُ بنُ محمدٍ الفِرْيَابِيُّ إملاءً في شهر رجب سنةَ سبعٍ وتسعينَ ومائتين ؛ قال : حدثنا إبراهيمُ بنُ هشامِ بنِ يحيى الغسانيّ قال : حدثني أبي عن جَدِّي عن أبي إدريسَ الخَوْلاَنِيِّ عَن أَبي ذَرٍّ قال : " دَخَلْتُ المَسْجِدَ ، فَإذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ ، فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فَقَالَ : ( يَا أَبَا ذَرٍّ ، لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةٌ ، وَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ ؛ قُمْ فَارْكَعْهُمَا ) ، قَالَ : فَلَمَّا رَكَعْتُهُما ، جَلَسْتُ إلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلاَةِ ، فَمَا الصَّلاَةُ ؟ قالَ : خَيْرٌ مَوْضُوعٌ ، فاستكثر أَوِ استقلل " الحديثَ ، وفيهِ : " قلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمْ كِتَاباً أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ ؛ أَنْزَلَ اللَّهُ : عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى خَانُوخَ ثَلاَثينَ صَحِيفَةً ، وعلى إبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وأَنْزَلَ عَلَى موسى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ ، وَالإنْجِيلَ ، والزَّبُورَ ، وَالفُرْقَانَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ ؟ قَالَ : كَانَتْ أَمْثَالاً كُلُّها : أَيُّهَا المَلِكُ المُسَلَّطُ المُبْتَلَى المَغْرُورُ ، إنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا على بَعْضٍ ، ولكني بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ المَظْلُومِ ، فَإنِّي لاَ أَرُدُّهَا وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ ، وَكَانَ فِيهَا أَمْثَالٌ : وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يُفَكِّرُ في صُنْعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لَحَاجَتِهِ مِنَ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ ، وَعَلَى العَاقِلِ أَلاَّ يَكُونَ ظَاعِناً إلاَّ لِثَلاَثٍ : تَزَوُّدٍ لِمَعادٍ ، أو مَؤُونَةٍ لِمَعَاشٍ ، أَوْ لَذَّةٍ في غَيْرِ مُحَرَّمٍ ، وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيراً بِزَمَانِهِ ، مُقْبِلاً على شَانِهِ ، حَافِظاً للِسَانِهِ ، وَمَنْ حَسِبَ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ ؛ قَلَّ كَلاَمُهُ إلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِ ، قال : قُلْتُ : يَا رَسُولِ اللَّهِ ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى ؟ قَالَ : ( كَانَتْ عِبَراً كُلُّهَا : عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالقَدَرِ ، ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ ، وَعَجِبْتُ لِمَن رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَها بِأَهْلِهَا ؛ ثُمَّ اطمأن إلَيْهَا ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَداً ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ ! ) وَقَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَهَلْ في أَيْدِينَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ في أَيْدِي إبْرَاهِيمَ وموسى ؛ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ : " اقْرأْ يَا أَبَا ذَرٍّ " . { قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا } إلى آخِرِ هذه السورةِ يعني : أنَّ ذِكْرَ هذه الآيَاتِ { لَفِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وموسى } قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَأَوْصِنِي ، قَال : " أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَإنَّهُ رَأْسُ أَمْرِكَ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ؛ قَالَ : " عَلَيْكَ بِتِلاَوَةِ القُرْآنَ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فَإنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ في السَّمَاءِ وَنُورٌ لَكَ في الأَرْضِ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : " وَإيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ ؛ فَإنَّهُ يُمِيْتُ القَلْبَ ، ويَذْهَبَ بِنُورِ الْوَجْهِ ، قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالجَهَادِ ؛ فِإنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إلاَّ مِنْ خَيْرٍ ؛ فَإنَّهُ مَطْرَدَةٌ للشَّيْطَانِ وَعَوْنٌ لَكَ على أَمْرِ دِينِكَ " . انتهى .