فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ} (14)

ولما ذكر تعالى وعيد من أعرض عن النظر في دلائل الله أتبعه بالوعد لضده فقال { قد أفلح من تزكى } أي نال الفوز من تطهر من الشرك فآمن بالله ووحده وعمل بشرائعه ، قال عطاء والربيع من كان عمله زاكيا ناميا ، وقال قتادة : تزكى بعمل صالح ، وقال عطاء وقتادة وأبو العالية نزلت في صدقة الفطر ، قال عكرمة كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي ، وأصل الزكاء في اللغة النماء .

وقيل المراد بالآية زكاة الأموال كلها . وقيل المراد بها زكاة الأعمال لا زكاة الأموال لأن الأكثر أن يقال في الأموال زكى لا تزكى ، قال ابن عباس : من تزكى من قال لا إله إلا الله .

وعن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه [ كان ]{[1708]} يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي صلاة العيد ويتلو هذه الآية " أخرجه البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى والبيهقي في سننه وابن مردويه ، وفي لفظ قال " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زكاة الفطر فقال { قد أفلح من تزكى } قال هي زكاة الفطر " وكثير بن عبد الله ضعيف جدا{[1709]} قال أبو داود وهو ركن من أركان الكذب . وقد صحح الترمذي حديثا من طرقه وخطئ في ذلك .

ولكن يشهد له ما أخرجه ابن مردويه عن ابن أبي سعيد الخدري " قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر " .

وليس في هذين الحديثين ما يدل على أن ذلك سبب النزول بل فيهما أنه صلى الله عليه وسلم تلا الآية ، وقوله هي زكاة الفطر يمكن أن يراد به أنها مما يصدق عليه التزكي ، وقد قدمنا أن السورة مكية ولم يكن في مكة صلاة عيد ولا فطرة .

وعن أبي سعيد الخدري في الآية قال " أعطى صدقة الفطر قبل أن يخرج إلى العيد وخرج إلى العيد فصلى " وعن ابن عمر قال إنما أنزلت هذه الآية في إخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد ، وعن عطاء قال قلت لابن عباس أرأيت قوله { قد أفلح من تزكى } للفطر قال لم أسمع بذلك ، ولكن للزكاة كلها ، ثم عاودته فقال لي : والصدقات كلها .


[1708]:- [كان] ساقطة من المطبوعة. والتصحيح من الدر المنثور للسيوطي الذي أورد هذه الرواية عن هؤلاء. (لجنة الإشراف عن الجامع التاريخي.
[1709]:أحد رجال إسناد هذا الحديث ولم يذكره المؤلف اقتصارا.