فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَجۡرَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

{ الفاحشة } المعصية التي يفحش أثرها ، والخطيئة التي يثقل وزرها ، وأكثر استعمالها في القرآن الكريم للزنا ، وإتيان الرجال .

{ تأتون الرجال } تجامعونهم .

{ السبيل } الطريق .

{ المنكر } ما ينكره الشرع وينفر منه الطبع .

{ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين28 أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين29 قال رب انصرني على القوم المفسدين30 }

واذكر قصة لوط عليه السلام في دعوته قومه إلى الإيمان والعفاف ، وتحذيره إياهم من الفحش والإسفاف ، وزجرهم عن اشتهاء الرجال ، والإعراض عن النساء ، وابتداع هذا المنكر الذي لم يتقدمهم فيه أحد ، كما أنذرهم مقت الله تعالى وسخطه على كل متعد لحدوده ، مبدل لسننه ، وذلك شأنه سبحانه في كل من سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ، ويظهر في حياة الناس ومسالكهم الخوف والخنا ، ويهدد طرق العباد بما يخشون من النيل من الكرامة والعرض .

ولهذا جاء منذرا بذلك في آيات أخر : )أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون( {[3205]} .

وتمادوا في غيهم ، ولم يبق للحياء أدنى أثر في نفوسهم ، فصاروا يرتكبون تلك الفاحشة النكراء في ناديهم مستعلنين بها ينظر بعضهم إلى بعض ، فانحطوا بذلك عن الحيوان الأعجم ، وسلبوا شرف الإنسانية ، كالذين جاء وصفهم في قول الحق تبارك وتعالى : ) . . إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( {[3206]} .

ولما خوفهم نبيهم من عذاب يستأصلهم قالوا- مستهزئين- جئنا بعذاب الله الذي تتوعدنا به إن كنت صادقا فيما تقول ، وبينت آيات أخرى كريمة أنهم نقموا من لوط ومن اتبعه أن يتركزوا عن هذا الخبث ويعفّوا ، وقالوا : ) . . أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون( {[3207]} وعملوا على صده عن الدعوة إلى الحق والرشد والطهر ، فقالوا : )لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين( {[3208]} فتضرع لوط إلى ربه أن يعصمه ومن آمن به )رب نجني وأهلي مما يعملون( {[3209]}{ رب انصرني } بخذلان هؤلاء السفهاء المبتدعين لأخبث فحشاء ، فإنك يا مولانا لا تحب الفساد ، وهؤلاء نكسوا ، وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم ، وزين لهم سوء عملهم .


[3205]:سورة الشعراء. الآيتان 165، 166.
[3206]:سورة الفرقان. من الآية 44.
[3207]:سورة النمل. من الآية 56.
[3208]:سورة الشعراء. من الآية 167.
[3209]:سورة الشعراء. الآية 169.