فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ خلقكم من تراب } بدأ خلق أبيكم آدم من تراب .

{ نطفة } الماء الدافق الذي يخرج عند قضاء الشهوة .

أزواجا } أصنافا ذكرانا وإناثا .

{ تضع } تلد .

{ كتاب } اللوح المحفوظ .

{ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير 11 }

في الآية التاسعة : { والله الذي أرسل الرياح . . } بين الله الحكيم برهانا آفاقيا في آفاق الكون ، وفي هذه الآية المباركة يعلمنا برهانا من أنفسنا نتأمله فنرى فيه آية من آيات قدرة ربنا وحكمته ، ولطفه وعلمه ونافذ إرادته ، فأبونا آدم عليه السلام أصل البشرية خلقه مولانا البارئ المصور من تراب ، وخلق أبينا أبي الإنسانية سبب لخلق الناس جميعا ، ثم جعل سبحانه نسل هذا الجنس الآدمي من نطفة ، وخلق بني البشر أصنافا ، ذكرانا وإناثا ، وهيأهم ومنّ عليهم أن يتزوج رجالهم من نسائهم ، فهي منة من ربنا وعلامة على بديع صنعه ، وعزيز تدبيره ، يقول الحق جل علاه : )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( {[3820]} ، ويجعل من هذا التزاوج- إذا أراد – ذرية وعقبا ونسلا : ) . . يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما . . ( {[3821]} ، وما يبدأ حبل ولا يكون حمل المرأة إلا إذا كان قد سبق هذا في علم الله ، وما يزاد في عمر معمر ولا ينتقص من عمر إلا كما سبق به مراد ربنا ، وسطر في اللوح المحفوظ ، وذلك على القوي القدير هين يسير ، يقول مولانا العليم الخبير : )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر . . ( {[3822]} ، والذي شهدت الدلائل وقام البرهان على تفرده بالخلق والإيجاد ، وليس بعسير عليه إحياء الناس ونشرهم يوم التناد .

نقل عن سعيد بن جبير ما حاصله : ما مضى من أجله فهو النقصان ، وما يستقبل فهو الذي يعمره ، فالهاء على هذا للمعمر ، وعنه أيضا : يكتب عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب . . ذهب يوم ، ذهب يومان . . اه .

ومما أورد القرطبي : وقيل : إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع وتسعين إن عصى ، فأيهما بلغ فهو كتاب . وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره{[3823]} فليصل رحمه " أي أنه يكتب في اللوح المحفوظ : عمر فلان كذا سنة ، فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة . . . والكناية على هذا ترجع إلى العمر . اه

ومما نقل ابن جرير الطبري : عن ابن عباس . . يقول : ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر . . . وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر . . كل ذلك في كتاب عنده . . ثم أورد رأيا لآخرين ، ثم قال : وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب التأويل الأول . . اه


[3820]:سورة الروم. الآية 21.
[3821]:سورة الشورى. من الآية 49، ومن الآية 50.
[3822]:سورة الحج. من الآية 5.
[3823]:يبقى نفع عمله بعدد انقضاء أجله، أو يزاد في عمره بالصلة – مالو قطع لانقطعت.