{ العزيز } المنتقم ممن خالفه .
{ الرحيم } واسع الرحمة لمن أطاعه .
{ يس( 1 )والقرآن الحكيم( 2 )إنك لمن المرسلين( 3 )على صراط مستقيم( 4 )تنزيل العزيز الرحيم( 5 )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( 6 ) } .
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- : { يس } ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، أو اسم من أسماء السورة ، أو أريد بها التحدي ، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف ، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر ، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام{[3873]} ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه ، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد .
[ جاء قسم . . . لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى . . أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه ، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛ . . وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا ، وما أرسلك الله إلينا ، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و{ الحكيم } المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال : ( . . أحكمت آياته . . ){[3874]} ، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل . ]{[3875]} .
- وفي قوله : { على صراط مستقيم } وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق ، فيكون حينئذ { على } من قوله : { على صراط مستقيم } من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم . . . ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به ، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-{[3876]}
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك ، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك . . . وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة ، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع . . . وقوله : { على صراط } كالتأكيد ، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم ، وتنكير { صراط } للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف ، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله : { ما أنذر آباؤهم } كقوله في القصص : ( . . لتنذر قوما ما أتاهم من نذير . . ){[3877]} وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا { فهم غافلون( 6 ) } لهذا السبب ا . ه . وعن قتادة وغيره : { ما } لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي ، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي ، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم ، وقيل : إن{ ما } والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم ، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء ، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم ، { فهم غافلون } عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله ، وحذر عز وجل : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون }{[3878]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.