فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ} (54)

{ وأنه أهلك عادا الأولى( 50 )وثمودا فما أبقى( 51 )وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى( 52 )والمؤتفكة أهوى( 53 )فغشاها ما غشى( 54 )فبأي آلاء ربك تتمارى( 55 ) } .

وربكم شديد بطشه بالجاحدين المفسدين ، فهو الذي أهلك أمة عاد ، أولى الأمم هلاكا بعد الطوفان-قال الطبري : وصفت بالأولى لأن في القبائل[ عادا ] أخرى وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق . . اه ، وأهلك الجبار -جل علاه- قوم ثمود فما أبقى من كفار هؤلاء وأولئك أحدا ؛ وأهلك قبلهما قوم نوح كانوا أشد ظلما وطغيانا ممن بعدهما ، فكان يوصي الآباء أبناءهم بالثبات على الوثنية{ وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا . . }{[5802]} . { ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا }{[5803]} ، وأهلك المنتقم –عز وجل- قوم لوط سكان القريات التي رفعها جبريل بأمر ربه ثم أسقطها فانقلبت مساكنهم ودُمرت أماكنهم ، فغطاها من العذاب ما غطاها ، وأصابها هول شديد ، فأمطر الله على من كان خارجا من أهلها حجارة من سجيل ؛ فبأي أنعم الله وأفضاله وبطشه بالمفسدين ونكاله تتشكك أيها المدرك ؟ والآلاء : النعم ، واحدها ألىً وإلىً وإلىٌ . . جزاءهاأ هذا كله حكاية ما في الصحف إلا فيمن قرأ { وإن إلى ربك المنتهى } بالكسر على الابتداء وكذا ما بعده ، أما قوله{ فبأي آلاء ربك تتمارى } فقد قيل : هو أيضا مما في الصحف ، وقيل : هو ابتداء كلام ، والخطاب لكل سامع ولرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله : { . . لئن أشركت ليحبطن عملك . . }{[5804]} والمراد أنه لم يبق فيها إمكان الشك ؛ وقد عدّ نعما ونقما وجعل كلها آلاء ، لأن النقم أيضا نعم لمن أراد أن يعتبر ؟ ويحتمل أن يقال : لما عدّ نعمه على الإنسان من خلقه وإغنائه وإقنائه ثم ذكر أنه أهلك من كفر بها ، وبّخ الإنسان على جحد شيء من نعمه فيصيبه مثل ما أصاب المتمارين ؛ أو يقال : لما حكى الإهلاك قال للشاك : أنت ما أصابك الذي أصابهم وذلك بحفظ الله إياك-وحلمه عليك-فبأي آلاء ربك تتمارى{[5805]} ؛ يقول أبو جعفر : فبأي نعمات ربكم يا ابن آدم التي أنعمها عليك ترتاب وتشك وتجادل ؟


[5802]:سورة نوح. الآية 23.
[5803]:سورة نوح. من الآية 27.
[5804]:سورة الزمر. من الآية 65.
[5805]:مما أورد صاحب غرائب القرآن.