فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (5)

{ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ( 4 ) له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور( 5 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ( 6 ) }

ربنا جل علاه هو الذي أنشأ السماوات السبع ، ومن الأرض مثلهن ، في وقت مقداره ستة أيام- إذ اليوم يتحدد بدورة الأرض والشمس ، وتعاقب الليل والنهار ، وحينذاك لم يكن شمس ولا أرض- [ وذكر هذه المدة ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها : كوني فتكون لكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور . . وحكمة أخرى : خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا ؛ وبين بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب ؛ لأن لكل شيء عنده أجلا ؛ وهذا كقوله : { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ما مسنا من لغوب . فاصبر على ما يقولون . . . }{[6287]} بعد أن قال : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا . . }{[6288]} ؛ قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } . . . [ وقد كان السلف الأول رضى الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه ، وأخبرت رسله ، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة . . . وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته ؛ قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم- يعني في اللغة- والكيف مجهول ، والسؤال عن هذا بدعة ؛ وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها . ]{[6289]} . وربنا يعلم ما يدخل في الأرض من مطر وغيره ، وما يخرج منها من نبات وغيره ، وما ينزل من السماء من رزق وملك وغيرهما ، وما يعرج فيها ويصعد من ملائكة ، وصحف أعمال العباد { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر . . . }{[6290]} { . . ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }{[6291]} وقدرته وعلمه وسلطانه لا يبعد منها أحد : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }{[6292]} وهو يبصر الأعمال ويراها : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه . . }{[6293]} .

أخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها : عالم بكم أينما كنتم ؛ وأخرج أيضا عن سفيان الثوري أنه سئل عنها فقال : عمله معكم .

يقول صاحب روح المعاني : وأنت تعلم أن الأسلم ترك التأويل فإنه قول على الله تعالى من غير علم ، ولا نؤول إلا ما أوله السلف ، ونتبعهم فيما كانوا عليه ، فإن أولوا أولنا ، وإن فوضوا فوضنا ، ولا نأخذ تأويلهم لشيء سلما لتأويل غيره . . . اه{[6294]} ؛ والله مالك السماوات والأرض ومليكهما وما فيهما ، وما بينهما ومن فيهما ، وحين تزول السماوات والأرض ترجع جميع الأمور إلى الله دون سواه ، فهو مالك الأولى والعقبى { وإن لنا للآخرة والأولى }{[6295]} { . . . له الحمد في الأولى والآخرة . . }{[6296]} وإليه المرجع يوم القيامة ، فيتولى سبحانه الحساب والثواب والعقاب ويقلب ربنا الليل ويكوره على النهار ، ويكور النهار على الليل ؛ ويقدرهما بحكمته ، يطول الليل حينا ، وكذا النهار ، وهو ذو علم بضمائر عباده ، فمكنونات الصدور ، وأعمال القلوب ، ووسواس النفوس كل ذلك ربنا بالغ علمه به { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار }{[6297]} فيعلم السرائر وإن دقت وإن خفيت .


[6287]:-سورة ق الآية 38 ومن الآية 39.
[6288]:- سورة ق. من الآية 36.
[6289]:- ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن ج 7 ص 219-220.
[6290]:- سورة يونس. من الآية 61.
[6291]:- سورة الأنعام. من الآية 59.
[6292]:- سورة ق. الآية 16.
[6293]:- سورة يونس. الآية 16.
[6294]:- جـ 27 ص 168.
[6295]:- سورة (الليل) الآية 13.
[6296]:- سورة القصص. من الآية 70.
[6297]:- سورة الرعد. الآية 10.