فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

{ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ( 7 ) وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ( 8 ) هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم ( 9 ) } .

والإله الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ، والغالب على كل شيء ، والمدبر وفق الحكمة ، والمحيي المميت ، والقديم الباقي ، والحي القيوم ، والخلاق العليم ، ومن له غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ، هو- دون سواه- أهل أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، فآمنوا به وبرسوله ، وصدقوا واستيقنوا واستديموا اليقين بجلال رب العالمين ، وتصديق واتباع نبيه الكريم المبعوث بالدين القويم ؛ وبعد أقدس أعمال القلوب- الإيمان واليقين – أمرنا بعبادة من أبر العبادات وأرضاها لله ولعباده ، ننفق في كل ما أذن ربنا أن ننفق فيه ، وفيما جعله تجارة معه سبحانه ، ومع أن الأموال من جوده وفيضه فإنه جل علاه يمنح المنفقين المؤمنين أجرا عظيما : { درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما }{[6298]} ، وأيا ما كانت النفقة المشروعة فإنها مع الإيمان وصدق النية قربة تؤجر عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك- تنفق على نفسك أو على زوجتك أو على أولادك وخدمك ، أو على والديك أو على أقاربك ، ثم على أي مسلم ، حتى لو أطعمت الحيوان الأعجم أو سقيته .

وكيف لا تستيقنون بالله وأي شيء يمنعكم من ذلك ، وخاتم النبيين يبين لكم الحجة ، ويسوق الدليل والبرهان على وجوب الإيمان ؟ وقد أقررتم بعهد ربكم وميثاقه ، ورضيتم بالله ربا وبالإسلام دينا ، إن كنتم صادقين في الانتساب إلى أهل اليقين ؛ هذا إذا كان الخطاب للمؤمنين- ويكون { آمنوا } في الآية الأولى أمرا بالثبات على الإيمان ودوامه ، و{ وما لكم لا تؤمنون } الآية على معنى : كيف لا تثبتون على الإيمان ودواعي ذلك موجودة ؟ وقيل : عام يوبخ من لم يؤمن منهم بعد الإيمان ، ثم من آمن بعدم الإنفاق في سبيله ؟ . . قيل : لتوبيخهم على الكفر مع تحقيق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه . . . وأي عذر في ترك الإيمان { والرسول يدعوكم } إليه وينبهكم عليه . . . وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان من قبل ، . . فأخذ الميثاق إشارة إلى ما كان منه تعالى من نصب الأدلة الأفاقية والأنفسية ، والتمكين من النظر ، فقوله تعالى : { والرسول يدعوكم } إشارة إلى الدليل السمعي ، وهذه إشارة الدليل العقلي ، وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي {[6299]} على العقل{[6300]}- وربنا ينزل وحيه وآيات قرآنه على خاتم أنبيائه ، وفيها البرهان والسلطان والحجة ، ليخرجكم بهذا الدليل والهدى والمنهاج من ظلمات الكفر والحيرة والضلال إلى نور الحق والخير والرشد والإيمان ، واستيقنوا أن الله يريد بكم اليسر ، ويرضى لكم الاستقامة والبر ، لتنالوا بذلك الفوز والعز : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم }{[6301]} { . . وإن تشكروا يرضه . لكم . . . }{[6302]} { . . وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم }{[6303]} وهو سبحانه بالمهتدين المستقيمين أرأف وأرحم .


[6298]:- سورة النساء. الآية 96.
[6299]:- ما جاء به الوحي؛ والعقلى: ما اتسقل بإدراكه العقل.
[6300]:- روح المعاني.
[6301]:سورة النساء: الآية 26.
[6302]:- سورة الزمر. من الآية 7.
[6303]:- سورة البقرة. من الآية 143.