{ تلظى } تتوقد ، وتتلظى ، وتتلهب .
{ فأنذرتكم نارا تلظى ( 14 ) لا يصلاها إلا الأشقى ( 15 ) الذي كذب وتولى ( 16 ) وسيجنبها الأتقى ( 17 ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( 18 ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ( 21 ) } .
في الآيات السابقات على هذه كان بيان درجات نفوس من أعطى واتقى وصدق ، ودركات نفوس من بخل واستغنى وكذب ، فكأن هذه- والله تعالى أعلم- فيها نداء إلى الخلق وإعذار للخالق تبارك اسمه : إني أنذرتكم أيها الناس وخوفتكم وحذرتكم نارا تتوهج وتتوقد ، وتتلظى وتتلهب ، فاحذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا فتصلوها في الآخرة ! ؛ ولا يصطلى بحرها إلا الشقي ؛ وقيل : يدخلها العاصي والكافر ، لكن الاصطلاء : أن تحيط النار به إحاطة تامة ، فهذا عذاب الكافر ، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ) رواه البخاري ؛ وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد ، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) ؛ وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ، ثم فسر فقال : { الذي كذب } أي بقلبه ، { وتولى } أي عن العمل بجوارحه وأركانه .
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به .
وقوله تعالى : { وسيجنبها الأتقى } أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى ، ثم فسره بقوله : { الذي يؤتي ماله يتزكى } أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما { ابتغاء وجه ربه الأعلى } أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ؛ قال الله تعالى : { ولسوف يرضى } أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات ؛ وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ؛ ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها ، فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى : { وسيجنبها الأتقى . الذي يؤتي ماله يتزكى . وما لأحد عنده من نعمة تجزى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ، فإنه كان صديقا تقيا ، كريما جوادا ، بذالا لأمواله في طاعة مولاه ، ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم . . . ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ، ولهذا قال له عروة بن مسعود- وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ؛ فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ !
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ! ما على من يدعي منها ضرورة ، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال : ( نعم وأرجو أن تكون منهم ) . وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر ، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة ؛ فجعل تكذيبا ؛ كما تقول : لقى فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه . وكذلك قوله جل ثناؤه : { ليس لوقعتها كاذبة }{[11217]} يقول : هي حق . {[11218]} والزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء ، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه : { لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى } وليس الأمر كما ظنوا ؛ هذه نار موصوفة بعينها ، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى ، ولأهل النار منازل2 .
يقول محقق الجامع لأحكام القرآن : هم المرجئة ، وهم فرقة من فرق الإسلام ، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية ، كما أنه لا ينفع مع الكفرة طاعة ، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ؛ أي : أخره عنهم : وقيل : المرجئة : فرقة من المسلمين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ؛ كأنهم قدموا القول ، وأرجئوا العمل ، أي أخروه ؛ لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ويصوموا لنجاهم إيمانهم . اه روى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي الله عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.