فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى} (17)

{ وسيجنبها الأتقى } أي سيباعد عنها المتقي للكفر اتقاء بالغا ، قال الواحدي الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين ا ه ، والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين ، ويكون المعنى أنه لا يصلاها صليا تاما لازما إلا الكامل في الشقاء وهو الكافر ، ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيدا كاملا بحيث لا يحوم حولها فضلا عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوى ، فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولا غير لازم ، ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيدا غير بالغ تبعيد الكامل في التقوى عنها .

والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله { لا يصلاها إلا الأشقى } زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى ، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين .

فيقال له فماذا في قوله { وسيجنبها الأتقى } فإنه يدل على أنه لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى ، فمن لم يكن كاملا فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار ، فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى . فخذ إليك هذه مع تلك وكن كما قال الشاعر :

على أنني راض بأن أحمل الهوى *** وأخرج منه لا علي ولا ليا

وقيل أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كما قال طرفة بن العبد :

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي بواحد ، ولا يخفاك أنه ينافي هذا وصف الأشقى بالتكذيب ، فإن ذلك لا يكون إلا من الكافر فلا يتم ما أراه قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين .

عن عروة " أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله : بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عيسى وأمة بني المؤمل ، وفيه نزلت { وسيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة " أخرجه ابن أبي حاتم ، وفي الباب روايات .