مكية كلها في قول الجميع ، وهي تسع وأربعون آية
روى الأئمة عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب . متفق عليه .
قوله تعالى : " والطور " الطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، أقسم الله به تشريفا له وتكريما وتذكيرا لما فيه من الآيات ، وهو أحد جبال الجنة . وروى إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة أجبل من جبال الجنة وأربعة أنهار من أنهار الجنة وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة{[14270]} ) قيل : فما الأجبل ؟ قال : ( جبل أحد يحبنا ونحبه والطور جبل من جبال الجنة ولبنان جبل من جبال الجنة والجودي{[14271]} جبل من جبال الجنة ) وذكر الحديث ، وقد استوفيناه في كتاب " التذكرة " قال مجاهد : الطور هو بالسريانية الجبل والمراد به طور سينا . وقاله السدي . وقال مقاتل بن حيان : هما طوران يقال لأحدهما طور سينا والآخر طور زيتا ؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون . وقيل : هو جبل بمدين واسمه زبير . قال الجوهري : والزبير الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام .
قلت : ومدين بالأرض المقدسة وهي قرية شعيب عليه السلام . وقيل : إن الطور كل جبل أنبت ، وما لا ينبت فليس بطور ، قاله ابن عباس . وقد مضى في " البقرة{[14272]} " مستوفى .
سورة الطور{[1]}
مقصودها تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في ق ، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها . وجعل دك بعضها آية على ذلك ، ومن الكتاب في أثبت أوضاعه{[2]} لإمكان غسله وحرقه ، ومن البيت الذي يمكن عامره وغيره إخرابه ، والسقف الذي يمكن رافعه وضعه ، والبحر الذي يمكن من سجره أن يرسله ، وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ في خطابه ( بسم الله ) الملك الأعظم ذي الملك والملكوت ( الرحمن ) الذي عم بالرحموت من حققه الثبوت ( الرحيم ) الذي خص برحمته وتوفيقه أهل القنوت .
لما ختمت الذاريات بتحقيق الوعيد ، افتتحت هذه بإثبات العذاب الذي هو روح الوعيد ، فقال تعالى : { والطور * } وذلك أنهم لما كانوا يقولون عما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه سحر خيال لا حقيقة له ، أقسم بالجبل - الذي هو عندهم وعند غيرهم من ذوي العقول - أثبت الأرض وأشدها وأصلبها ، وعبر عنه بالطور الذي هو مشترك بين مطلق الجبل وبين المضاف{[61479]} إلى سينا الذي كان فيه نبوة موسى عليه السلام وإنزال كثير من كتابه وغير ذلك - آيات تعلمها بنو إسرائيل الذين يستنصحونهم ويسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرضون بقولهم فيه فمن آياته أنه كانت فيه الرحمة بمناجاة موسى عليه السلام وما كتب له فيه على ألواح الجوهر وما أنزل عليه من الناموس الذي جعله هدى ورحمة وموعظة وذكراً وتفصيلاً لكل شيء وكان فيه مع الرحمة العذاب بما أتاهم من الصاعقة{[61480]} التي أماتتهم ثم أحياهم الله وبما كانوا يشهدون من السحاب الذي تخلله فيكون كقتار الأتون ، وفيه بروق كأعظم{[61481]} ما يشاهد من النار ، وأبواق{[61482]} تزعق بصوت هائل ، ولما شوهد من اندكاك الجبل عند التجلي وصعق موسى عليه السلام إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف{[61483]} الظلمات ، وأيضاً فالطور كل جبل ينبت ، وإنبات الجبل عجيب ، فإن نباته لا يكون إلا بسبب ، وسبب النبات الماء ، والماء منبث في الأرض لتركبها عليه وهو مواز لما انكشف منه من ماء البحار ، وكلما علت الأرض بعدت عن الماء ، والجبال أبعدها منه ، فسبب إنباته خفي جداً لا يعلمه إلا الله ومن فهمه إياه{[61484]} .
هذه السورة مكية وعدد آياتها تسع وأربعون . وهي سورة عجيبة في إيقاعها وروعة أجراسها التي تلامس الحس والوجدان أيما ملامسة ، فضلا عن حرف الراء المكرور بصداه الشجي المستطاب ، وذلك في جملة في أواخر الآيات الباهرة العجاب .
وفي السورة تأكيد من الله بالغ على أن عذابه نازل بالظالمين لا محالة . ويضاف إلى ذلك ، هذا الإيحاء من التهديد المخوف ، والوعيد المرعب الذي ينذر الله به الخائضين السادرين في الغفلة واللهو من الناس . أولئك يتوعدهم الله بعذاب بئيس يصلونه يوم القيامة وهم يقهرون على دخول النار قسرا ودعّا . ويكشف عن مثل هذه الحقيقة المرعبة كلمات الله الموحية المؤثرة التي يفيض من أحرفها وشديد جرسها طيف التحذير المخوف والترويع الذي يأخذ بالقلوب . وهو قوله : { يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّا } لا جرم أن هذه الآية وما يتلوها من الآيات في هذه السورة لهي تقرع نواقيس القلوب وتنشر في الخيال صورا من مشاهد اليوم الآخر لا تنمحي ولا تتبدد .
إن هذه السورة بأوزانها وأنغامها وأجراسها وحقائقها المريعة المذهلة لا يتملاّها ذو نظر وتدبر إلا أخذته غاشية من الدهش والفزع ، والشخوص . وقد ذكر في هذا الصدد أن جبير بن معطم - وهو واحد من فصحاء البيان ومصاقع الخطابة وقد كان مشركا- كان قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتلو في صلاته سورة الطور فأنصت له بتدبر واعتبار شديدين وقد تملكه الدهش والارتياع فما لبث أن أسلم وقال : كاد قلبي يطير . خفت على نفسي . خشيت أن يدركني العذاب{[1]} .
{ والطور 1 وكتاب مسطور 2 في رق منشور 3 والبيت المعمور 4 والسقف المرفوع 5 والبحر المسجور 6 إن عذاب ربك لواقع 7 ما له من دافع 8 يوم تمور السماء مورا 9 وتسير الجبال سيرا 10 فويل يومئذ للمكذبين 11 الذين هم في خوض يلعبون 12 يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّا 13 هذه النار التي كنتم بها تكذبون 14 أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون 15 اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعلمون } .
ذلك قسم من الله شديد على أن الساعة آتية وأن العذاب واقع لا محالة ، وأن الكافرين والمكذبين بيوم الدين لا مفر لهم مما هم صائرون إليه ، وهي النار يدعّون إليها زجرا وقسرا . وذلك قوله سبحانه : { والطور 1 وكتاب مسطور } الواو الأولى في أول السورة للقسم ، والواو الثانية واو العطف . وجواب القسم { إن عذاب ربك لواقع } {[4352]} والطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى فقد أقسم الله به على سبيل التشريف له والتعظيم لما وقع فيه من الآيات . وقيل : المراد به طور سينا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.