ثم صرح بحاله فقال : " أم أنا خير " قال أبو عبيدة والسدي : " أم " بمعنى " بل " وليست بحرف عطف ، على قول أكثر المفسرين . والمعنى : قال فرعون لقومه بل أنا خير " من هذا الذي هو مهين " أي لا عزله فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه " ولا يكاد يبين " يعني ما كان في لسانه من العقدة ، على ما تقدم في " طه " {[13650]} وقال الفراء :في " أم " وجهان : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت جعلتها نسقا على قوله : " أليس لي ملك مصر " . وقيل : هي زائدة . وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون " أم " زائدة ، والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين . وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ، كما قال :
أيا ظبيةَ الوَعْسَاءِ بين جُلاجِلٍ *** وبين النَّقَا آأنتِ أم أمُّ سالم{[13651]}
أي أنت أحسن أم أمُّ سالم . ثم ابتداء فقال : ( أنا خير ) . وقال الخليل وسيبويه : المعنى " أفلا تبصرون " ، أم أنتم بصراء ، فعطف ب " أم " على " أفلا تبصرون " لأن معنى " أم أنا خير " أم أي تبصرون ، وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء .
وروي عن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي أنهما وقفا على " أم " على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون ، فحذف تبصرون الثاني . وقيل من وقف على " أم " جعلها زائدة ، وكأنه وقف على " تبصرون " من قوله : " أفلا تبصرون " . ولا يتم الكلام على " تبصرون " عند الخليل وسيبويه ؛ لأن " أم " تقتضي الاتصال بما قبلها . وقال قوم : الوقف على قوله : " أفلا تبصرون " ثم ابتدأ " أم أنا خير " بمعنى بل أنا ، وأنشد الفراء :
بدت مثل قَرْن الشمس في رونق الضحى *** وصورتِها أمْ أنتِ في العين أملحُ
فمعناه : بل أنت أملح . وذكر الفراء أن بعض القراء قرأ " أما أنا خير " ؛ ومعنى هذا ألست خيرا . وروي عن مجاهد أنه وقف على " أم " ثم يبتدئ " أنا خير " وقد ذكر .
ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : أفهذا الذي جاء يسلبنا عبيدنا بني إسرائيل خير عندكم مني ؟ نسق عليه قوله : { أم أنا خير } مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء ، ونقل ابن الجوزي وغيره من المفسرين عن سيبويه وأستاذه الخليل أنها معادلة لتقريرهم بالإبصار ، فكأنه قال : أفلا تبصرون ما ذكرتكم به فترون لعدم إبصاركم أنه خير مني أم أنا خير منه لأنكم لا تبصرون ، وكان هو أحق بهذه النصيحة منهم فإنه أراهم الطريق الواضحة إلى الضلال الموصلة إليه من غير مشقة ولا تعب بقوله : أفلا تبصرون أم أنتم بصراء ، فيكون ذلك احتباكاً تقديره : أفلا تبصرون ما نبهتكم عليه ، فذكر الإبصار أولاً دليلاً على حذف مثلها ثانياً والخيرية ثانياً دليلاً على حذف مثلها أولاً ، وحقر من عظمة الآتي له بتلك الآيات صلى الله عليه وسلم لئلا يسرع الناس إلى اتباعه لأن آياته - لكونها من عند الله - كالشمس بهجة وعلواً وشهرة فقال : { من هذا } فكنى بإشارة القريب عن تحقيره ، ثم وصفه بما يبين مراده فقال : { الذي هو مهين } أي ضعيف حقير قليل ذليل ، لأنه يتعاطى أموره بنفسه ، وليس له ملك ولا قوة يجري بها نهراً ولا ينفذ بها أمراً { ولا يكاد يبين } أي لا يقرب من أن يعرب عن معنىً من المعاني لما في لسانه من الحبسة فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان يستجلب القلوب ويدهش الألباب فيكثر أتباعه ويضخم أمره ، وقد كذب في جميع قوله ، فقد كان موسى عليه الصلاة والسلام أبلغ أهل زمانه قولاً وفعلاً بتقدير الله الذي أرسله له وأمره إياه ولكن الخبيث أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلاً لأتباعه لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما دعا بإزالة حبسته بل بعقدة منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.