الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَجَآءَ إِخۡوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (58)

لم يعرفوه لطول العهد ومفارقته إياهم في سنّ الحداثة ، ولاعتقادهم أنه قد هلك ، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه واهتمامهم بشأنه ، ولبعد حاله التي بلغها من الملك والسلطان عن حاله التي فارقوه عليها طريحاً في البئر ، مشرياً بدراهم معدودة ، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم وظنونهم ، ولأنّ الملك مما يبدّل الزيّ ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر له المعروف . وقيل : رأوه على زيّ فرعون عليه ثياب الحرير جالساً على سرير في عنقه طوق من ذهب وعلى رأسه تاج ، فما خطر ببالهم أنه هو . وقيل : ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب ، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج ، وإنما عرفهم لأنه فارقهم وهم رجال ورأى زيهم قريباً من زيهم إذ ذاك ، ولأنّ همته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم ، فكان يتأمّل ويتفطن . وعن الحسن : ما عرفهم حتى تعرّفوا له .