البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَآءَ إِخۡوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (58)

{ وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .

ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين .

فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون .

قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون .

وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون } : أي جاؤوا من القريات من أرض فلسطين بأرض الشام .

وقيل : من الأولاج من ناحية الشعب إلى مصر ليمتاروا منها ، فتوصلوا إلى يوسف للميرة ، فعرفهم لأنه فارقهم وهم رجال ، ورأى زيهم قريباً من زيهم إذ ذاك ، ولأنّ همته كانت معمورة بهم وبمعرفتهم ، فكان يتأمل ويتفطن .

وروي أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم ، وأمر بإنزالهم .

ولذلك قال الحسن : ما عرفهم حتى تعرفوا له ، وإنكارهم إياه كان .

قال الزمخشري : لطول العهد ومفارقته إياهم في سن الحداثة ، ولاعتقادهم أنه قد هلك ، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه ، ولبعد حاله التي بلغها من الملك والسلطان عن حالته التي فارقوه عليها طريحاً في البئر مشريّاً بدراهم معدودة ، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم .

ولأن الملك مما يبدل الزي ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر منه المعروف .

وقيل : رأوه على زي فرعون عليه ثياب الحرير جالساً على سرير في عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فما خطر لهم أنه هو .

وقيل : ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب ، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج .