السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَآءَ إِخۡوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَعَرَفَهُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (58)

ولما اشتدّ القحط وعظم البلاء عم ذلك جميع البلاد حتى وصل إلى بلاد الشام وأرض كنعان ، وقصد الناس مصر من كل مكان للميرة ، فجعل يوسف عليه السلام لا يعطي أحداً أكثر من حمل بعير وإن كان عظيماً تقسيطاً بين الناس . وتزاحم الناس عليه ، ونزل بآل يعقوب ما نزل بالناس من الشدّة ، فبعث بنيه إلى مصر للميرة وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه وأبيه فذلك قوله تعالى : { وجاء إخوة يوسف } وكانوا عشرة وكان منزلهم بالعربات من أرض فلسطين ثغور الشأم وكانوا أهل إبل وشياه ، فدعاهم أبوهم يعقوب عليه السلام ، وقال : بلغني أن بمصر ملكاً صالحاً يبيع الطعام فتجهزوا إليه واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون من الطعام .

وهاهنا همزتان مختلفتان من كلمتين ، فقرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو بتسهيل الثانية ، والباقون بالتحقيق . ولما أمرهم أبوهم بذلك خرجوا حتى قدموا مصر { فدخلوا عليه فعرفهم } قال ابن عباس : بأوّل نظرة إليهم عرفهم . وقال الحسن : لم يعرفهم حتى تعرفوا إليه . { وهم له منكرون } ، أي : لم يعرفوه وذلك لوجوه : الأوّل : أنه عليه السلام أمر حجابه بأن يوقفوهم من البعد وما كان يتكلم معهم إلا بواسطة ، الثاني : أنهم حين ألقوه في الجب كان صغيراً ، ثم أنهم رأوه بعد وفور اللحية وكبر الجثة ، قال ابن عباس : وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة ، فلذلك أنكروه ، وقال عطاء : إنما لم يعرفوه ؛ لأنه كان على سرير الملك ، وكان بزيّ ملوك مصر عليه ثياب حرير ، وفي عنقه طوق ذهب .