الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (209)

{ ذِكْرِى } منصوبة بمعنى تذكرة . إمّا لأنّ «أنذر ، وذكر » متقاربان ، فكأنه قيل : مذكرون تذكرة . وإمّا لأنها حال من الضمير في [ منذرون ] أي ، ينذرونهم ذوي تذكرة . وإمّا لأنها مفعول له ؛ على معنى : أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة . أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف ، بمعنى : هذه ذكرى . والجملة اعتراضية . أو صفة بمعنى : منذرون ذوو ذكرى . أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها . ووجه آخر ؛ وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له . والمعنى : وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ، ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم ، فلا يعصوا مثل عصيانهم { وَمَا كُنَّا ظالمين } فنهلك قوماً غير ظالمين . وهذا الوجه عليه المعوّل .

فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد «إلا » ولم تعزل عنها في قوله : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] ؟

قلت : الأصل : عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية ، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله : { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] .