الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ} (214)

فيه وجهان : أحدهما أن يؤمر بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه ، ويبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبداءة ، ثم بمن يليه : وأن يقدّم إنذارهم على إنذار غيرهم ، كما روي عنه عليه السلام : أنه لما دخل مكة قال : " كلُ ربَا في الجاهليةِ موضوعٌ تحتَ قدميّ هاتينِ ، وأَوّلُ ما أضعُهُ رِبَا العباسِ " والثاني : أن يؤمر بأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة ، ولا يحابيهم في الإنذار والتخويف . وروي : " أَنّهُ صَعِدَ الصَفَا لما نزلت فنادَى الأقربَ فالأقربَ فخذاً فخذاً ، وقال : يا بني عبدِ المطلب ، يا بني هَاشمِ ، يا بني عبدِ منافِ ، يا عباسُ عمَّ النبيّ يا صفيةُ عمةَ رسولِ اللَّهِ ، إني لا أمْلِكُ لَكُم مِنَ الله شَيئاً ، سَلُوني مِنْ مَالي مَا شِئْتُمْ " وروي : " أَنَّه ( صلى الله عليه وسلم ) جَمَعَ بني عبدِ المطلبِ وهم يومئذٍ أربعونَ رَجلاً : الرجلُ مِنْهُمْ يأَكلُ الجذعةَ ، ويشربُ العس على رجلِ شاةٍ وقعبٍ مِنْ لبَنٍ ، فأكَلُوا وشَربُوا حتى صَدَرُوا ، ثم أَنْذَرَهُم فقالَ : «يا بني عبدِ المطلبِ ، لو أَخبرتُكَم أَنّ بسفحِ هذا الجبلِ خيلاً أكُنْتُمْ مُصَدّقي ؟ قالوا : نَعَمْ . قالَ : فَإِني نَذيرٌ لَكُمْ بينَ يَديَ عذابٌ شديدٌ " ، ورُوي أَنّهُ قَالَ : " يا بني عبدِ المطلب ، يا بني هاشم ، يا بني عبد مناف ، افتدُوا أنفسَكم منَ النارِ فإنّي لا أغني عنكم شيئاً " ثم قال : " يا عائشةُ بنتَ أبي بكر ، ويا حفصةُ بنتَ عمر ، ويا فاطمةُ بنتَ محمدٍ ، ويا صفيةَ عمةَ محمد ، اشترين أنفسكنّ منَ النار فإنيّ لا أغني عنكنّ شيئاً " .