الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ثلاث وتسعون آية وقيل أربع وتسعون

{ طس } قرىء : بالتفخيم والإمالة ، و { تِلْكَ } إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين : إما اللوح ، وإبانته : أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة . وإما الصورة . وإما القرآن ، وإبانتهما : أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع ، وأنّ إعجازهما ظاهر مكشوف ، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين : على سبيل التفخيم لها والتعظيم ، لأنّ المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه .

فإن قلت : لم نكر الكتاب المبين ؟ قلت : ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له ، كقوله تعالى : { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] .

فإن قلت : ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن ؟ قلت : كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك : هذا فعل السخي والجواد الكريم ، لأنّ القرآن هو المنزل المبارك المصدّق لما بين يديه ، فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح ، فكأنه قيل : تلك الآيات آيات المنزل المبارك آي كتاب مبين . وقرأ ابن أبي عبلة : «وكتابٌ مبينٌ » بالرفع على تقدير : وآيات كتاب مبين ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .

فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين قوله : { الرَ تِلْكَ ءايات الكتاب وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] ؟ قلت : لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدّم والتأخر ، وذلك على ضربين : ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب ، وضرب فيه ترجح ، فالأول نحو قوله تعالى : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [ البقرة : 58 ] ، [ الأعراف : 161 ] ، { وادخلوا الباب سُجَّدًا } [ البقرة : 58 ] ، [ الأعراف : 161 ] ومنه ما نحن بصدده . والثاني : نحو قوله تعالى : { شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم } [ آل عمران : 18 ] .