اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (209)

قوله : «ذِكْرى » يجوز فيها أوجه :

أحدها : أنها مفعول من أجله ، وإذا كانت مفعولاً من أجله ففي العامل فيها وجهان : أحدهما : «مُنْذِرُونَ » على أنَّ المعنى : منذرون لأجل الموعظة والتذكرة{[38015]} .

الثاني : «أَهْلَكْنَا » .

قال الزمخشري : والمعنى : وَمَا أَهْلَكْنَا من أهل قريةٍ ظالمين إلاَّ بعد ما ألزمناهم الحجَّة بإرسال المنذرين إليهم ، ليكون تذكرة وعبرةً لغيرهم ، فلا يعصون{[38016]} مثل عصيانهم : ثم قال : وهذا الوجه عليه المُعَوَّل{[38017]} . قال أبو حيان : وهذا لا معوَّل عليه ، فإنَّ مذهب الجمهور أنَّ ما قبل إلاَّ لا يعمل فيما بعدها إلاَّ أن يكون{[38018]} مستثنى أو مستثنى منه ، أو تابعاً له غير معتمدٍ على الأداة نحو : ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو .

والمفعول له{[38019]} ليس واحداً من هذه .

ويتخرَّج مذهبه على مذهب الكسائي والأخفش{[38020]} ، وإن كانا لم ينصَّا على المفعول له بخصوصيته{[38021]} . قال شهاب الدين : والجواب ما تقدم قبل ذلك من أنه يختار مذهب الأخفش{[38022]} .

الثاني من الأوجه الأول{[38023]} : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : هذه ذكرى ، وتكون الجملة اعتراضية{[38024]} .

الثالث : أنها صفة ل «مُنْذِرُونَ » إمَّا على المبالغة ، وإمَّا على الحذف ، أي : مُنْذِرُونَ ذوو{[38025]} ذكرى{[38026]} ، أو على وقوع المصدر وقوع اسم الفاعل . أي : منذرون مذكِّرون . وتقدم تقريره .

الرابع : أنها في محل نصب على الحال ، اي : مذكِّرين ، أو ذوي ذكرى ، أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة{[38027]} .

الخامس : أنها منصوبة على المصدر المؤكد ، وفي العامل فيها حينئذ وجهان :

أحدهما : لفظ «مُنْذِرُونَ » لأنه{[38028]} من معناها ، فهما ك ( قَعَدْتُ جُلُوساً ){[38029]} .

والثاني : أنه محذوف من لفظها ، أي : يُذَكِّرُونَ ذكرى{[38030]} ، وذلك المحذوف صفة ل «مُنْذِرُوَن » .

قوله : { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } في تعذيبهم ، حيث قدمنا الحجة عليهم ، وأعذرنا إليه ، أو : ما كنا ظالمين فنهلك قوماً غير ظالمين{[38031]} .


[38015]:انظر الكشاف 3/128.
[38016]:في الأصل: فلا يعصوا.
[38017]:الكشاف 3/128.
[38018]:يكون: سقط من ب.
[38019]:له: سقط من ب.
[38020]:وذلك أن الكسائي جوز تأخير معمول ما قبل (إلا) عنها مرفوعاً كان، أو منصوباً، أو مجروراً، نحو ما ضرب إلا زيد عمراً وما مر إلا زيد بعمرو. ووافقه الأخفش في الظرف المجرور، والحال، نحو ما جلس إلا زيد عندك وما مر إلا عمرو بك، وما جاء إلا زيد راكباً. قال أبو حيان: وهو المختار، لأنه يتسامح في المذكورات ما لا يتسامح في غيرها. الهمع 1/230-231.
[38021]:البحر المحيط 7/45.
[38022]:الدر المصون 5/172.
[38023]:يعني الأوجه في (ذكرى).
[38024]:انظر الكشاف 3/128.
[38025]:في ب: و. وهو تحريف.
[38026]:انظر الكشاف 3/128.
[38027]:انظر الكشاف 3/128، البيان 2/217، ونسبه ابن الأنباري للكسائي. البحر المحيط 7/44.
[38028]:في ب: لأن.
[38029]:انظر الكشاف 3/128، البحر المحيط 7/44.
[38030]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/102، البيان 2/217.
[38031]:انظر الكشاف 3/128، الفخر الرازي 24/171.