البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (209)

{ وذكرى } : منصوب على الحال عند الكسائي ، وعلى المصدر عند الزجاج .

فعلى الحال ، إما أن يقدر ذوي ذكرى ، أو مذكرين .

وعلى المصدر ، فالعامل منذرون ، لأنه في معنى مذكرون ذكرى ، أي تذكرة .

وأجاز الزمخشري في ذكرى أن يكون مفعولاً له ، قال : على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة ، وأن تكون مرفوعة صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى ، أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها .

وأجاز هو وابن عطية أن تكون مرفوعة على خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى ، والجملة اعتراضية .

قال الزمخشري : ووجه آخر ، وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له ، والمعنى : وما أهلكنا من قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ، لتكون تذكرة وعبرة لغيرهم ، فلا يعصوا مثل عصيانهم .

{ وما كنا ظالمين } ، فنهلك قوماً غير ظالمين ، وهذا الوجه عليه المعول . انتهى .

وهذا لا معوّل عليه ، لأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى ، أو مستثنى منه ، أو تابعاً له غير معتمد على الأداة نحو : ما مررت بأحد إلا زيد خير من عمرو .

والمفعول له ليس واحداً من هذه الثلاثة ، فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا .

ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش ، وإن كانا لم ينصا على المفعول له بخصوصيته .