الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ} (36)

ثم رد الهدية وقال للمنذر : ارجع إليهم ، فقالت : هو نبيّ وما لنا به طاقة ، فشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل ، تحت كل قيل ألوف .

وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : «فلما جاءوا » { أَتُمِدُّونَنِ } وقرىء : بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة بالإدغام ، كقوله : { أتحاجونى } وبنون واحدة : أتمدوني . الهدية : اسم المهدَي ؛ كما أن العطية اسم المعطي ، فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه ، تقول هذه هدية فلان ، تريد : هي التي أهداها أو أهديت إليه ، والمضاف إليه ههنا هو المهدي إليه . والمعنى : أن ما عندي خير مما عندكم ، وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع ، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه ، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به { بَلْ أَنتُمْ } قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ؛ فلذلك { تَفْرَحُونَ } بما تزادون ويُهدي إليكم ، لأن ذلك مبلغ همتكم وحالي خلاف حالكم ؛ وما أرضى منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية .

فإن قلت : ما الفرق بين قولك : أتمدني بمال وأنا أغنى منك ، وبين أن تقوله بالفاء ؟ قلت : إذا قلته بالواو ، فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى واليسار ، وهو مع ذلك يمدني بالمال . وإذا قلته بالفاء ، فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي ، فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له : أنكر عليك ما فعلت ، فإني غني عنه . وعليه ورد قوله : { فَمَا ءاتاني الله } .

فإن قلت : فما وجه الإضراب ؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه : وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح ؛ إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها . ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المهدي ، ويكون المعنى : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك ، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها . ويحتمل أن يكون عبارة عن الردّ ، كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها .