الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ} (36)

قوله تعالى : " فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال " أي جاء الرسول سليمان بالهدية قال : " أتمدونني بمال " . قرأ حمزة ويعقوب والأعمش : بنون واحدة مشددة وياء ثابتة بعدها . الباقون بنونين وهو اختيار أبي عبيد ؛ لأنها في كل المصاحف بنونين . وقد روى إسحاق عن نافع أنه كان يقرأ : " أتمدونِ " بنون واحدة مخففة بعدها ياء في اللفظ . قال ابن الأنباري : فهذه القراءة يجب فيها إثبات الياء عند الوقف ، ليصح لها موافقة هجاء المصحف . والأصل في النون التشديد ، فخفف التشديد من ذا الموضع كما خفف من : أشهد أنك عالم ، وأصله : أنك عالم . وعلى هذا المعنى بنى الذي قرأ : " تشاقون فيهم " [ النحل : 27 ] ، " أتحآجوني في الله " [ الأنعام : 80 ] . وقد قالت العرب : الرجال يضربون ويقصدون ، وأصله يضربوني ويقصدوني : لأنه إدغام يضربونني ويقصدونني قال الشاعر :

تَرْهَبِينِ والجِيدُ منكِ لليلَى *** والحَشَا والبَغَامُ{[12290]} والعينَانِ

والأصل ترهبيني فخفف . ومعنى " أتمدونني " أتزيدونني مالا إلى ما تشاهدونه من أموالي .

قوله تعالى : " فما آتاني الله خير مما آتاكم " أي فما أعطاني من الإسلام والملك والنبوة خير مما أعطاكم ، فلا أفرح بالمال . و " آتانِ " وقعت في كل المصاحف بغير ياء . وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص : " آتانيَ الله " بياء مفتوحة ؛ فإذا وقفوا حذفوا . وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل لالتقاء الساكنين . الباقون بغير ياء في الحالين . " بل أنتم بهديتكم تفرحون " لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا .


[12290]:بغام الظبية: صوتها.