قوله : { فَلَمَّا جاء سُلَيْمَانَ } أي : فلما جاء الرسول ، أضمره لدلالة قولها «مرسِلة » فإنه يستلزم رسولاً ، والمراد به الجنس لا حقيقة رسول واحد ، بدليل خطابه لهم بالجمع في قوله : «أَتُمِدُّونَنِي . . » إلى آخره{[38928]} ، وكذلك قرأ عبد الله : فلما جاءوا ، وقرأ{[38929]} : «فارجعوا إليهم »{[38930]} ، اعتباراً بالأصل المشار إليه .
قوله : «أَتُمِدُونَنِي » استفهام إنكار ، وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وأما الياء فإنه يحذفها وقفاً ، ويثبتها وصلاً على قاعدته في الزوائد{[38931]} ، والباقون بنونين - على الأصل - وأما الياء فإن نافعاً وأبا عمرو كحمزة يثبتانها وصلاً ويحذفانها وقفاً ، وابن كثير يثبتها في الحالين ، والباقون يحذفونها في الحالين .
وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة ، فتكملت ثلاثة قراءات{[38932]} كما في : { تأمروني أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] .
قال الزمخشري : ما الفرق بين قولك : أتمدونني{[38933]} بمال وأنا أغنى منكم{[38934]} ، وبين أن تقوله بالفاء ؟ قلت : إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى ، وهو - مع ذلك - يمدني بالمال ، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفي عليه حالي ، وإنما أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له{[38935]} : أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه ، وعليه ورد قوله : { فما آتَانِي الله خَيْرٌ }{[38936]} انتهى .
وفي هذا الفرق نظر ، إذ لا يفهم ذلك بمجرد الواو والفاء ، ثم إنه لم يجب عن السؤال الأول ، وهو أنه : لم عدل عن قوله : وأنا أغنى منكم{[38937]} إلى قوله : { فما آتَانِي الله } ؟ .
وجوابه : أنه أسند إيتاء الغنى إلى الله ، إظهاراً لنعمته عليه ، ولو قال : وأنا{[38938]} أغنَى منكم ، كان فيه افتخار{[38939]} من غير ذكر لنعمة الله عليه ، فأظهر - بهذا الكلام - قلة الاكتراث بذلك المال . قوله : «بَلْ أَنْتُم » إضراب انتقال ، قال الزمخشري : فإن قلت : فما وجه الإضراب ؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد ، وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو أنهم لا يعرفوهم سبب رضى إلا مما يهدى إليهم من حظوظ الدنيا التي لا يعرفون غيرها ، والهدية : يجوز إضافتها إلى المهدي وإلى المهدى إليه ، وهي هنا محتملة للأمرين{[38940]} . قال أبو حيان : وهي هنا مضافة للمهدى إليه ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي ، أي : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار{[38941]} .
قال شهاب الدين : كيف يجعل الأول هو الظاهر ، ولم ينقل أن سليمان - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليهم هدية في هذه الحالة ، حتى يضيفها إليهم ، بل الذي يتعين إضافتها إلى المهدي{[38942]} . ومعنى الآية : { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم لبعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى{[38943]} قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحداً ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة{[38944]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.