فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ} (36)

{ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ } أي فلما جاء رسولها المرسل بالهدية سليمان ، والمراد بهذا المضمر : الجنس ، فلا ينافي كونهم جماعة كما يدل عليه قولها : { بم يرجع المرسلون } وقرأ عبد الله { فلما جاؤوا سليمان } أي الرسل ، وجملة { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والاستفهام للاستنكار : أي قال منكراً لإمدادهم له بالمال مع علوّ سلطانه وكثرة ماله . وقرأ حمزة بإدغام نون الإعراب في نون الوقاية ، والباقون بنونين من غير إدغام ، وأما الياء ، فإن نافعاً وأبا عمرو وحمزة يثبتونها وصلاً ويحذفونها وقفاً ، وابن كثير يثبتها في الحالين ، والباقون يحذفونها في الحالين . وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة { فَمَا ءاتاني الله خَيْرٌ مّمَّا ءاتاكم } أي ما آتاني من النبوّة والملك العظيم والأموال الكثيرة خير مما آتاكم من المال الذي هذه الهدية من جملته . قرأ أبو عمرو ونافع وحفص { آتاني الله } بياء مفتوحة وقرأ يعقوب بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل ، وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف . ثم إنه أضرب عن الإنكار المتقدّم فقال : { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } توبيخاً لهم بفرحهم بهذه الهدية فرح فخر وخيلاء ، وأما أنا فلا أفرح بها ، وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله سبحانه قد أعطاني منها ما لم يعطه أحداً من العالمين ، ومع ذلك أكرمني بالنبوّة . والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزراء بهم ، والحط عليهم .

/خ40