الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ} (166)

{ المسبحون } أي المنزهون أو المصلون . والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله : { سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 159 ] من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة } [ الصافات : 158 ] كأنه قيل : ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزّة وقالوا : سبحان الله ، فنزهوه عن ذلك ، واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤهم منه ، وقالوا للكفرة فإذا صحّ ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحداً من خلقه وتضلّوه ، إلاّ من كان مثلكم ممن علم الله - لكفرهم ، لا لتقديره وإرادته ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - أنهم من أهل النار ، وكيف نكون مناسبين لربّ العزّة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة ؟ وما نحن إلاّ عبيد أذلاء بين يديه ، لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفراً ، خشوعاً لعظمته وتواضعاً لجلاله ، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته وأجنحتنا ، مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين ، وكما يجب على العباد لربهم . وقيل : هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : وما من المسلمين أحد إلاّ له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله ، من قوله : { عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } [ الإسراء : 79 ] ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة يسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه .