الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَجَعَلُواْ بَيۡنَهُۥ وَبَيۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبٗاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ} (158)

{ وَجَعَلُواْ } بين الله وبين الجنة وأراد الملائكة ، { نَسَباً } وهو زعمهم أنهم بناته ، والمعنى : جعلوا بما قالوا : نسبة بين الله وبينهم ، وأثبتوا له بذلك جنسية جامعة له وللملائكة .

فإن قلت : لم سمي الملائكة جنة ؟ قلت : قالوا : الجنس واحد ، ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شراً كله فهو شيطان ، ومن طهر منهم ونسك وكان خيراً كله فهو ملك ؛ فذكرهم في هذا الموضع باسم جنسهم ، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعاً منهم وتقصيراً بهم . وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم . وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار ، وهو من صفات الأجرام لا يصلح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك . ومثاله : أن تسوّي بين الملك وبين بعض خواصه ومقرّبيه ، فيقول لك : أتسوّى بيني وبين عبدي .

والضمير في { إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } للكفرة . والمعنى : أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة ، وقد علم الملائكة أنهم في ذلك كاذبون مفترون ، وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون ، والمراد المبالغة في التكذيب . حيث أضيف إلى علم الذين ادّعوا لهم تلك النسبة . وقيل : قالوا إنّ الله صاهر الجن فخرجت الملائكة . وقيل : قالوا : إن الله والشيطان أخوان .

وعن الحسن : أشركوا الجن في طاعة الله . ويجوز إذا فسر الجنة بالشياطين : أن يكون الضمير في { فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } لهم ، والمعنى أن الشياطين عالمون بأنّ الله يحضرهم النار ويعذّبهم ، ولو كانوا مناسبين له أو شركاء في وجوب الطاعة لما عذّبهم .