الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها ثمان وثمانون

{ ص } على الوقف وهي أكثر القراءة . وقرىء : بالكسر والفتح لالتقاء الساكنين ، ويجوز أن ينتصب بحذف حرف القسم وإيصال فعله ، كقولهم : الله لأفعلنّ ، كذا بالنصب ، أو بإضمار حرف القسم ، والفتح في موضع الجرّ ، كقولهم : الله لأفعلنّ ، بالجرّ وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث ، لأنها بمعنى السورة ، وقد صرفها من قرأ { ص } بالجرّ والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل ، وقيل : فيمن كسر هو من المصاداة وهي المعارضة والمعادلة . ومنها الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة ، ومعناه : عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه .

فإن قلت : قوله : { ص والقرءان ذِى الذكر بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } كلام ظاهره متنافر غير منتظم ، فما وجه انتظامه ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدّي والتنبيه على الإعجاز كما مرّ في أوّل الكتاب ، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدّي عليه ، كأنه قال : { والقرءان ذِى الذكر } إنه لكلام معجز . والثاني : أن يكون { ص } خبر مبتدأ محذوف ، على أنها اسم للسورة ، كأنه قال : هذه ص ، يعني : هذه السورة التي أعجزت العرب ، والقرآن ذي الذكر ، كما تقول : هذا حاتم والله ، تريد : هذا هو المشهور بالسخاء والله ؛ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمت بص والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز ثم قال : بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق وشقاق لله ورسوله ، وإذا جعلتها مقسماً بها وعطفت عليها { والقرءان ذِى الذكر } جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله ، وأن تريد السورة بعينها . ومعناه : أقسم بالسورة الشريفة والقرآن ذي الذكر ، كما تقول : مررت بالرجل الكريم وبالنسمة المباركة ، ولا تريد بالنسمة غير الرجل . والذكر : الشرف والشهرة ، من قولك : فلان مذكور ، { وإنه لذكر لك ولقومك } [ الزخرف : 44 ] أو الذكرى والموعظة ، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها ، كأقاصيص الأنبياء والوعد والوعيد .