الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

{ فَبِمَا نَقْضِهِم } فبنقضهم . و ( ما ) مزيدة للتوكيد .

فإن قلت : بم تعلقت الباء ؟ وما معنى التوكيد ؟ قلت : إما أن يتعلق بمحذوف ، كأنه قيل : فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا ، وإما أن يتعلق بقوله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ } على أنّ قوله : { فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ } [ النساء : 160 ] بدل من قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك .

فإن قلت : هلا زعمت أن المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا } فيكون التقدير : فبما نقضهم ميثاقهم طبع الله على قلوبهم ، بل طبع الله عليها بكفرهم . قلت : لم يصح هذا التقدير لأنّ قوله : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ردّ وإنكار لقولهم : { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فكان متعلقاً به ، وذلك أنهم أرادوا بقولهم : ( قلوبنا غلف ) أن الله خلق قلوبنا غلفاً ، أي في أكنة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة ، كما حكى الله عن المشركين وقالوا : { لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم } [ الزخرف : 20 ] وكمذهب المجبرة أخزاهم الله ، فقيل لهم : بل خذلها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم ، فصارت كالمطبوع عليها ، لا أن تخلق غلفاً غير قابلة للذكر ولا متمكنة من قبوله .

فإن قلت : علام عطف قوله : { وَبِكُفْرِهِمْ } ؟ قلت : الوجه أن يعطف على ( فبما نقضهم ) ويجعل قوله : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } كلاماً تبع قوله : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } على وجه الاستطراد ، يجوز عطفه على ما يليه من قوله : ( بكفرهم ) .

فإن قلت : ما معنى المجيء بالكفر معطوفاً على ما فيه ذكره ، سواء عطف على ما قبل حرف الإضراب ، أو على ما بعده ، وهو قوله : { وَكُفْرِهِم بئايات الله } .