الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا} (9)

( لو ) مع ما في حيزه صلة للذين . والمراد بهم : الأوصياء ، أمروا بأن يخشوا الله فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى ويشفقوا عليهم ، خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافاً وشفقتهم عليهم وأن يقدّروا ذلك في أنفسهم ويصوّروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة . ويجوز أن يكون المعنى : وليخشوا على اليتامى من الضياع . وقيل : هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون : إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئاً ، فقدم مالك ، فيستغرقه بالوصايا ، فأمروا بأن يخشوا ربهم ، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا . ويجوز أن يتصل بما قبله وأن يكون أمراً بالشفقة للورثة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين وأن يتصوّروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين . هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة ؟

فإن قلت : ما معنى وقوع { لَوْ تَرَكُواْ } وجوابه صلة للذين ؟ قلت : معناه : وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً ، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ، كما قال القائل :

لَقَدْ زَادَ الْحَيَاةَ إِلَيَّ حُبًّا *** بَنَاتِي إِنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ

أُحَاذِرُ أَن يَرَيْنَ الْبُؤْسَ بَعْدِي *** وَأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِي

وقرىء : «ضعفاء » ، «ضُعافى » ، «وضعافى » . نحو سكارى ، وسكارى . والقول السديد من الأوصياء : أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ، ويدعوهم بيا بنيّ ويا ولدي ، ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له إذا أراد الوصية : لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك ، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : " إنك إن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وأن الخمس أفضل من الربع والربع أفضل من الثلث . ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين .