فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا} (9)

قوله : { وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُوا } هم الأوصياء ، كما ذهب إليه طائفة من المفسرين ، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم . وقالت طائفة : المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام ، وأولاد الناس ، وإن لم يكونوا في حجورهم ؛ وقال آخرون : إن المراد بهم : من يحضر الميت عند موته ، أمروا بتقوى الله ، بأن يقولوا للمحتضر قولاً سديداً من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله ، وحقوق بني آدم ، وإلى الوصية بالقرب المقرّبة إلى الله سبحانه ، وإلى ترك التبذير بماله ، وإحرام ورثته ، كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم ، فقراء عالة يتكففون الناس وقال ابن عطية : الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر ، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدّم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط ، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين .

قال القرطبي : وهذا التفصيل صحيح . قوله : { لَوْ تَرَكُوا } صلة الموصول ، والفاء في قوله : { فَلْيَتَّقُوا } لترتيب ما بعدها على ما قبلها . والمعنى : وليخش الذين صفتهم ، وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً ، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم ، وكاسبهم ، ثم أمرهم بتقوى الله ، والقول السديد للمحتضرين ، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق .

/خ10