فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا} (9)

{ وليخش } أي ليخف عن اليتامى { الذين لو تركوا } أي قاربوا أن يتركوا { من خلفهم } أي بعد موتهم { ذرية ضعافا } أولادا صغارا { خافوا عليهم } الفقر والضياع ، وهذا الخطاب للأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين ، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم .

وبعضهم جعل الخطاب لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء وإليه ذهب البيضاوي ، أو أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم ، أو أمر للمؤمنين بأن ينظروا فلا يسرفوا في الوصية والأول أولى .

{ فليتقوا الله } يعني في الأمر الذي تقدم ذكره ، قالت طائفة : المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم ، وقال آخرون : إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته أمروا بتقوى الله ، والتقوى مسببة عن الخوف الذي هو الخشية فلذلك ذكرت فاء السببية ، ففي الآية الجمع بين المبدأ والمنتهى { وليقولوا } للمحتضر { قولا سديدا } صوابا من إرشاده إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم ، وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه ، وإلى ترك التبذير بماله وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس .

وقال ابن عطية : الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر ، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ويحمل على أن يقدم لنفسه ، وإذا ترك ورثته ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصده ذلك كأجره في المساكين .

قال القرطبي : وهذا التفصيل صحيح والمعنى وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع من بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ، ثم أمرهم بتقوى الله والقول السديد للمحتضرين أولا ، ولأولادهم من بعدهم على ما سبق .