اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (18)

قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشهاد هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين } الآية .

أورده في معرض المبالغة دليلاً على أنَّ الافتراء على الله - تعالى - أعظمُ أنواع الظُّلْمِ .

{ أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } [ الأنعام : 21 ] يعنى : القرآن ، " أولَئِكَ " يعنى : الكاذبين والمكذبين .

{ يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ } فيسألهم عن إيمانهم ، وخصَّهم بهذا العرض ، وإن كان العرضُ عاماً في كُلِّ العباد لقوله تعالى : { وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً } [ الكهف : 48 ] ؛ لأنهم يعرضون ، فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم : { هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ } فليحقهم من الخزي والنَّكالِ ما لا مزيد عليه .

و " الأشهادُ " جمعُ شاهد ، كصاحب وأصحاب ، أو جَمْعُ شهيد كشريف وأشْراف .

والمرادُ ب " الأشهادِ " قال مجاهدٌ هم الملائكة الحفظة{[18730]} .

وقال قتادةُ ، ومقاتلٌ : " الأشْهَادُ " النَّاس{[18731]} .

وقيل : الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - .

فإن قيل : إذا لمْ يجز أن يكون الله - تعالى - في مكان ؛ فكيف قال { يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ } فالجوابُ : أنَّهُم يُعْرضُونَ على الأماكنِ المعدَّة للحساب ، والسؤال ، ويجُوزُ أن يعرضوا على من شاء الله من الخلقِ بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين .

ثُمَّ لمَّا أخبر عن حالهم في عقاب القيامة أخبر أنَّهُم في الحال ملعونون عند الله - عزَّ وجلَّ- .

روى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ الله - تعالى - يُدْنِي المُؤمنَ يَوْمَ القيامةِ فيسْتُرهُ مِنَ النَّاسِ ، فيقُولُ : أي عَبْدِي أتعرفُ ذَنْبَ كذا وكذا ؟ فيقول : نَعَمْ حتّى إذا قرَّرهُ بذُنُوبهِ ، قال : فإنِّي سترتُها عليْكَ في الدنيا ، وقد غفرتها لك اليوم ثُمَّ يُعْطَى كتابَ حسناتهِ ، وأمَّا الكُفَّار والمُنافقُون ، فيقُولُ الأشْهَادُ : هؤلاء الذين كذبُوا على ربِّهمْ ألا لَعْنَةُ الله على الظَّالمينَ " {[18732]} .


[18730]:أخرجه الطبري في"تفسيره" (6/22).
[18731]:أخرجه الطبري (7/22).
[18732]:أخرجه البخاري (8/204-205) كتاب التفسير حديث (7680) ومسلم (4/2120) كتاب التوبة: باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله حديث (52/2768) والطبري في تفسيره (7/22-23) عن ابن عمر. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/588) وزاد نسبته إلى ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "الأسماء والصفات".