اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (13)

قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [ هود : 13 ] .

لمَّا طلبوا منه المعجز قال : معجزتي هذا القرآن ، فلمَّا حصل المعجز الواحد كان طلب الزِّيادة بغياً وجهلاً .

وفي " أمْ " هذه وجهان :

أحدهما : أنها منقطعةٌ فتقدَّر ب " بَلْ " والهمزة ، فالتقدير : بل أتقولون افتراه . والضمير في " افتراهُ لما يوحى .

والثاني : أنَّها متصلة ، فقدَّروها بمعنى : أيكفرون بما أوحينا إليك من القرآن أم يقولون إنَّهُ ليس من عند الله ؟ .

قوله " مِثْلِهِ " نعت ل " سُورٍ " و " مثل " وإن كانت بلفظ الإفراد فإنه يوصف بها المثنى والمجموع والمؤنث ، كقوله تعالى : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } [ المؤمنون : 74 ] ويجوز المطابقة . قال تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ } [ الواقعة : 22 ، 23 ] وقال تعالى : { ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] .

قال ابن الخطيب{[18699]} : " مِثلِهِ " بمعنى " مثاله " حملاً على كُلِّ واحدة من تلك السور ، ولا يبعد أيضاً أن يكون المرادُ المجموع ؛ لأنَّ مجموع السور العشرة شيء واحد . والهاء في " مِثْلِهِ " تعود لما يوحى أيضاً ، و " مُفْترياتٍ " صفة ل " سُورٍ " جمع " مُفْتراة " ك " مُصْطفيَات " في " مُصْطَفاة " فانقلبت الألفُ ياءً كالتثنية .

فصل

قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - هذه السور التي وقع بها التَّحدي سور معينه ، هي سورة البقرة وآل عمران والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، ويونس وهود{[18700]} ، فقوله عز وجل : { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } الإشارة إلى هذه السور وهذا فيه إشكال ، لأنَّ هذه السُّورة مكية ، وبعض السُّور المتقدمة مدنية ، فكيف يمكنُ أن يكون المراد هذه العشر عند نزول هذا الكلام ؟ فالأولى أن يقال التحدي وقع بمطلق السور .

فإن قيل : قد قال في سورة يونس { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ } [ يونس : 38 ] وقد عجزوا عنهُ . فكيف قال { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ } فهو كرجل يقول لآخر : أعطني درهماً ؛ فيعجز ، فيقول : أعطني عشرة ؟ .

فالجوابُ : قد قيل : نزلت سورة هودٍ أولاً ، وأنكر المبردُ هذا وقال : بل سورة يونس أولاً ، وقال : ومعنى قوله في سورة يونس : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ } [ يونس : 38 ] أي : مثله في الإخبار عن الغيب ، والأحكام ، والوعد والوعيد ، فعجزوا ، فقال لهم في سورة هودٍ : إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الإخبار ، والأحكام ، والوعد ، والوعيد ( فأتوا بعشر سور مثله ) من غير وعْدٍ ووعيدٍ ، وإنما هي مجرد بلاغة .

فصل

اختلفوا في الوجه الذي كان القرآن لأجله معجزاً ، فقيل : هو الفصاحةُ وقيل : الأسلوب ، وقيل : عدم التناقض ، وقيل : اشتمالهُ على الإخبار عن الغيوبِ ، والمختار عند الأكثرين أن القرآن معجز من جهة الفصاحة ، واستدلُّوا بهذه الآية ، لأنَّهُ لو كان إعجازه هو كثرة العلوم ، أو الإخبار عن الغيوب ، أو عدم التناقض لم يكن لقوله : " مفترياتٍ " معنى ، أمَّا إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صحَّ ذلك ؛ لأنَّ فصاحة الفصيح تظهر بالكلام ، سواء كان الكلام صدقاً أو كذباً ، ثم إنه لمَّا قرر وجه التحدِّي قال : { وادعوا مَنِ استطعتم } واستعينوا بمن استطعتم { وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } يا أصحاب محمد ، وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسول - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه وحده – .


[18699]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/156.
[18700]:ذكره الرازي في "تفسيره" (7/156).