اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ} (2)

قوله : " أن لا تَعْبدُوا " فيه أوجهٌ :

أحدها : أن تكون أنْ المخففة من الثَّقيلة ، و " لا تَعْبُدُوا " جملة نهي في محلِّ رفعٍ خبراً ل " أنْ " المخففة ، واسمها على ما تقرَّر ضمير الأمر والشَّأن محذوفٌ .

والثاني : أنَّها المصدرية النَّاصبة ، ووصلت هنا بالنَّهي ، ويجوز أن تكون " لا " نافية ، والفعل بعدها منصوبٌ ب " أنْ " نفسها ، وعلى هذه التقادير ف " أنْ " : إما في محلِّ جرٍّ أو نصبٍ أو رفع ، فالجرُّ والنصبُ على أنَّ الأصل : لأنْ لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا ، فلما حذف الخافضُ جرى الخلافُ المشهور ، والعاملُ : إمَّا " فُصِّلتْ " وهو المشهورُ ، وإمَّا " أحْكِمَتْ " عند الكوفيين .

فتكون المسألة من باب الإعمال ؛ لأنَّ المعنى : أحْكِمَتْ لئلاَّ تعبدُوا أو بأن لا تعبدُوا . ف " أنْ لا تعبدُوا " هو المفعول الثاني ل " ضمَّن " والأولُ قام قمام الفاعل .

والرفع فمن أوجه :

أحدها : أنَّها مبتدأٌ ، وخبرها محذوفٌ ، فقيل : تقديره : من النَّظر أن لا تعبدوا إلاَّ الله .

وقيل : تقديره : في الكتاب ألاَّ تبعدوا إلاَّ الله .

والثاني : خبر مبتدأ محذوف ، فقيل : تقديره : تفصيلُه ألاَّ تعبدوا إلا الله .

وقيل : تقديره : هي أن لا تعبدوا إلاَّ الله .

والثالث : أنه مرفوعٌ على البدل من " آياته " .

قال أبو حيَّان : وأمَّا من أعربه أنَّهُ بدلٌ من لفظ " آيات " أو من موضعها ، يعني : أنَّها في الأصْلِ مفعولٌ بها فموضعا نصبٌ ، وهي مسألة خلافٍ ، هل يجُوزُ أن يُراعَى أصلُ المفعولِ القائم مقام الفاعلِ ، فيتبع لفظهُ تارة وموضعهُ أخرى ، فيقال : ضُرِبَتْ هندٌ العاقلة بنصب العاقلة باعتبار المحلِّ ، ورفعها باعتبار اللفظ ، أمْ لا ؟ .

مذهبان ، المشهور مراعاة اللفظ فقط .

الوجه الثالث : أن تكون مفسرة ؛ لأنَّ في تفصيل الآيات معنى القول ؛ فكأنَّه قيل : لا تعبدوا إلاَّ الله إذْ أمركم ، وهذا أظهرُ الأقوالِ ، لأنَّهُ لا يُحْوِجُ إلى إضمار .

قوله : " مِنْهُ " في هذا الضمير وجهان :

أظهرهما : أنَّهُ يعودُ على الله تعالى ، أي : إنَّ لكم من جهة الله نذيرٌ وبشير ، نذير للعاصين ، وبشير للمطيعين .

قال أبو حيان : فيكون في موضع الصِّفةِ ، فيتعلقُ بمحذوفٍ ، أي : كائن من جهته ، وهذا على ظاهره ليس بجيِّد ؛ لأنَّ الصفة لا تتقدَّمُ على الموصوفِ ، فيكف تجعل صفةً ل " نذير " ؟ وكأنَّه يريد أنه صفةٌ في الأصل لو تأخَّر ، ولكن لمَّا تقدَّم صار حالاً ، وكذا صرَّح به أبو البقاءِ ، فكان صوابه أن يقول : فيكون في موضع الحالِ ، والتقدير : كائناً من جهته .

الثاني : أنَّهُ يعودُ على الكتابِ ، أي : نذيرٌ لكم من مخالفته ، وبشيرٌ منه لمن آمن وعمل صالحاً وفي متعلق هذا الجارِّ أيضاً وجهان :

أحدهما : أنَّه حالٌ من نذير ، فيتعلَّق بمحذوفٍ كما تقدَّم .

والثاني : أنه متعلقٌ بنفس نذير ، أي : أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم ، وأبشركم بثوابه إن آمنتم .

وقدَّم الإنذار ؛ لأنَّ التَّخويف أهمُّ إذ يحصل به الانزجارُ .