السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ} (2)

وقوله تعالى : { أن لا تعبدوا إلا الله } يحتمل وجوهاً : الأوّل : أن تكون مفعولاً له والتقدير : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل أن لا تعبدوا إلا الله . الثاني : أن تكون مفسرة ؛ لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول ، قال الرازي : والحمل على هذا أولى ؛ لأنّ قوله تعالى : { وأن استغفروا } معطوف على قوله تعالى : { أن لا تعبدوا } فيجب أن يكون معناه ، أي : لا تعبدوا ليكون الأمر معطوفاً على النهي ، فإنّ كونه بمعنى لأن لا تعبدوا يمنع عطف الأمر عليه . الثالث : أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم إغراءً منه على اختصاص الله تعالى بالعبادة ، ويدلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم { إنني لكم منه } أي : الله { نذير } بالعقاب على الشرك { وبشير } بالثواب على التوحيد ، كأنه قيل ترك عبادة غير الله تعالى بمعنى اتركوها إنني لكم منه نذير وبشير كقوله تعالى : { فضرب الرقاب } [ محمد ، 4 ] .

تنبيه : هذه الآية الكريمة مشتملة على أشياء مترتبة : الأوّل : أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا الله لأنّ ما سواه محدث مخلوق مربوب ، وإنما حصل بتكوين الله وإيجاده ، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع والخشوع ونهاية التواضع والتذلل ، وذلك لا يليق إلا بالخالق المدبر الرحيم المحسن ، فثبت أن عبادة غير الله تعالى منكرة .