اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ} (41)

قوله تعالى : { ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي } ، العامَّة على فتح الياء ، من سقاه يسقيه ، وقرأ عكرمة في رواية " فيُسْقِي " بضم حرفِ المضارعة من " أسْقَى " وهما لغتان ، قال : سقاه ، وأسقاه ، وسيأتي أنَّهُما قراءتان في السبع ، و { نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [ النحل : 66 ] ، هي هما بمعنَى أم بينهما فرقٌ ؟ .

ونقل ابنُ عطيَّة ، عن كرمة ، والجحدريِّ : أنَّهما قرءا " فيُسْقَى ربُّهُ " مبنيًّا للمعفول ، ورفع " ربُّهُ " ، ونسبها الزمخشريُّ لعكرمة فقط .

فصل

اعلم أنه صلوات الله وسلامه عليه لما قرَّر التوحيد والنبوة ، عاد إلى الجواب عن السُّؤالِ الذي ذكر ، ففسَّر رُؤياهما ، فقال : { ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا } ، وهو صاحبُ الشَّراب " فيَسْقِي ربَّهُ " : يعني الملك ، وأما الآخرُ : يعنى الخبَّاز ، فيدعوه الملكُ ، ويخرجه ، ويصلبه ؛ فتأكل الطيرُ مِنْ رأسه .

قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه : " لمَّا سَمِعَا قول يوسف صلوات الله وسلامه عليه قالا : مَا رَأيْنَا شَيْئاً إنَّما كُنَّا نلعَبُ " ، قال يوسف : " قُضَيَ الأمْرُ الذي فِيهِ تَسْتفتيَانِ " .

فإن قيل : هذا الجوابُ الذي ذكره يوسف عليه الصلاة والسلام ذكره ؛ بناءً على أنَّ الوحي من قب لالله تعالى أو نباءً على علم التَّعبير .

والأول باطلٌ ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما نقل أنَّما ذكره على سبيل التعبير ، وأيضاً قال الله : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } ، ولو كان ذلك التعبير مبنيًّا على الوحي ، كان الحاصلُ مه القطعُ واليقينُ ، لا الظنُّ والتَّخمينُ .

والثاني أيضاً باطلٌ ؛ لأن علم التعبير مبنيٌّ على الظنِّ ، والقضاءُ : هو الإلزامُ الجزمُ والحكمُ البتُّ ، فكيف بني الجزم والقطع على الظنِّ والحسبانِ ؟ .

والجواب : لا يبعد أن يقال : إنهما سألاه عن ذلك المنام ، صدقا فيه أو كذبا ، فإنَّ الله تعالى أوحى إليه أنَّ عاقبة كُلَّ واحدٍ منهما تكون على ذلك الوجهِ المخصوص ، فملا نزل الوحيُ بذلك الغيب عند ذلك السؤال ، وقع في الظنَّ أنَّه ذكره على سبيل [ التَّعبير ] .

ولا يبعد أيضاً أن يقال : إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير .

وقوله " قُضِيَ الأمْرُ الَّذي فِيهِ تَسْتفْتيانِ " ما عنى به أنَّ الذي ذكره واقعٌ لا محالة ، بل عنى أنَّ حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره .

قوله : " قُضِيَ الأمْرُ " قال الزمخشريُّ : " ما اسْتفْتَيَا في أمرٍ واحدٍ ، بل في أمرين مختلفين ، فما وجهُ التوحيدِ ؟ قلتُ : المرادُ بالأمرِ ما أتهما به من سمِّ الملك ، وما يُجِنَا من أ جله ، والمعنى : فُرغَ من الأمر الذي عنه تسألان " .