اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ} (102)

قوله : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس } ، تقدَّم تفسيره في البقرة .

قال الزمخشري{[20059]} رحمه الله : " رُوحُ القدس : جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - أضيف إلى القدس : وهو الطُّهْر ؛ كما تقول : حاتم الجُودِ ، وزيد الخَيْرِ ، والمراد : الرُّوح المقدس{[20060]} ، وحاتم الجواد ، وزيد الخيِّر " .

و " مِنْ " في قوله : " مِن رَّبِّكَ " : صلة للقرآن ، أي : أن جبريل نزَّل القرآن من ربك ؛ ليثبِّت الذين آمنوا ، أي : ليبلوهم بالنسخ ، حتَّى إذا قالوا فيه : هو الحقُّ من ربِّنا ، حكم لهم بثبات القدم في الدِّين ، وصحَّة اليقين بأن الله حكيم ، فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب .

قوله تعالى : { وَهُدًى وبشرى } ، يجوز أن يكون عطفاً على محلِّ " لِيُثبِّتَ " ، فينصبان ، أو على لفظه باعتبار المصدر المؤوَّل ؛ فيجران ، والتقدير : تثبيتاً لهم ، وإرشاداً وبشارة ، وقد تقدم كلام الزمخشري في نظيرهما ، وما ردَّ به أبو حيَّان عليه وجوابه .

وجوَّز أبو البقاء ارتفاعهما خبر مبتدأ محذوف ، أي : وهو هدى ، والجملة حال وقرئ{[20061]} : " لِيُثبتَ " ، مخففاً ، من " أثْبَت " .

فصل

قد تقدَّم أن أبا مسلم الأصفهاني ينكر النسخ في هذه الشريعة ، فقال : المراد ههنا : وإذا بدَّلنا آية مكان آية ، أي : في الكتب المتقدمة ؛ مثل آية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، قال المشركون : أنت مفترٍ في هذا التبديل ، وأكثر المفسرين على خلافه ، وقالوا : إن النسخ واقعٌ في هذه الشريعة .

فصل

قال الشافعي - رضي الله عنه - : القرآن لا ينسخ بالسنة ؛ لقوله - تعالى- : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، وهذا يقتضي أن الآية لا تنسخ إلا بآية أخرى ، وهذا ضعيف ؛ لأن هذه الآية تدلُّ على أنَّه - تعالى - يبدِّل آية بآيةٍ أخرى ، ولا دلالة فيها على أنه - تعالى - لا يبدِّل آية إلا بآيةٍ ، وأيضاً : فجبريل - عليه السلام - قد ينزل بالسنة كما ينزل بالآية .


[20059]:ينظر: الكشاف 2/634.
[20060]:في أ: المقدس.
[20061]:نسبها ابن خالويه في الشواذ 74 إلى أبي حيوة، ينظر: البحر 5/518 والدر المصون 4/359.