اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

ثم إنه رغَّب المؤمنين في الإتيان بكلِّ ما كان من شرائع الإسلام ؛ فقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، وفيه سؤالٌ : وهو أن لفظة : " مَنْ " في قوله : " مَن عَملَ " ، تفيد العموم ، فما الفائدة في ذكر الذَّكر والأنثى ؟ .

والجواب : أن هذه الآية للوعد بالخيراتِ ، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم والرَّحمة ، فأتى بذكر الذَّكر والأنثى للتأكيد ، وإزالة الوهم بالتخصيص .

قوله : " مِنْ ذَكرٍ " ، " مِنْ " ، للبيان ، فتتعلق بمحذوف ، أعني : من ذكرٍ ، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل : " عَمِلَ " ، وقوله : " وهُوَ مُؤمِنٌ " ، جملة حاليَّة أيضاً .

وهذه الآية تدلُّ على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح ؛ لأنه - تعالى - جعل الإيمان شرطاً في كون العمل الصَّالح موجباً للثَّواب ، وشرط الشيء مغاير لذلك الشيء .

فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي أنَّ الإتيان بالعمل الصَّالح إنما يفيد الأثر بشرط الإيمان ، وظاهر قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ، يدل على أن العمل الصالح يفيد الأثر سواء كان مع الإيمان أو عدمه .

فالجواب : أن إفادة العمل الصالح للحياة الطيبة مشروط بالإيمان ، أمَّا إفادته لأثرٍ غير هذه الحياة الطيبة ، وهو تخفيف العذاب ؛ فإنَّه لا يتوقف على الإيمان .

فصل

قال سعيد بن جبير - رحمه الله - وعطاء : " الحياة الطَّيِّبة : هي الرِّزقُ الحلال " {[20052]} ، وقال الحسن : هي القناعة{[20053]} ، وقال مجاهد وقتادة : هي الجنة{[20054]} .

قال القاضي : الأقرب أنها تحصل في الدنيا ؛ لقوله تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، والمراد : ما [ لا ]{[20055]} يكون في الآخرة .

قوله : " ولنَجْزِينَّهُمْ " ، راعى معنى : " مَنْ " ، فجمع الضمير بعد أن راعى لفظها ، فأفرد في : " لنحيينه " وما قبله ، وقرأ العامة : " ولنجزينه " ، بنون العظمة ؛ مراعاة لما قبله ، وقرأ ابن عامر في رواية بياء الغيبة ، وهذا ينبغي أن يكون على إضمار قسم ثان ، فيكون من عطف جملة قسميَّة على جملة قسمية مثلها ، حذفتا وبقي جوابهما ، ولا جائز أن يكون من عطف جواب على جواب ؛ لإفضائه إلى [ إخبار ]{[20056]} المتكلم عن نفسه إخبار الغائب ، ولا يجوز ؛ لو قلت : " زيد قال : والله لأضربن هِنْداً وليَنْفِينَّهَا زَيْدٌ " لم يجز ، فإن أضمرت قسماً آخر ، جاز ، أي : وقال : والله لينفينَّها ، فإن لك في مثل هذا التركيب أن تحكي لفظه ، ومنه : { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى } [ التوبة : 107 ] وأن يحكي معناه ، ومنه : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ } [ التوبة : 74 ] ، ولو جاء على اللفظ ، لقيل ما قلنا .


[20052]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/641) عن ابن عباس والضحاك وذكره البغوي في "تفسيره" (3/83) عن سعيد بن جبير وعطاء وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/244) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[20053]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/642).
[20054]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/642) وذكره البغوي (3/84).
[20055]:زيادة من: أ.
[20056]:في ب: جواب.