ثم إنه رغَّب المؤمنين في الإتيان بكلِّ ما كان من شرائع الإسلام ؛ فقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، وفيه سؤالٌ : وهو أن لفظة : " مَنْ " في قوله : " مَن عَملَ " ، تفيد العموم ، فما الفائدة في ذكر الذَّكر والأنثى ؟ .
والجواب : أن هذه الآية للوعد بالخيراتِ ، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم والرَّحمة ، فأتى بذكر الذَّكر والأنثى للتأكيد ، وإزالة الوهم بالتخصيص .
قوله : " مِنْ ذَكرٍ " ، " مِنْ " ، للبيان ، فتتعلق بمحذوف ، أعني : من ذكرٍ ، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل : " عَمِلَ " ، وقوله : " وهُوَ مُؤمِنٌ " ، جملة حاليَّة أيضاً .
وهذه الآية تدلُّ على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح ؛ لأنه - تعالى - جعل الإيمان شرطاً في كون العمل الصَّالح موجباً للثَّواب ، وشرط الشيء مغاير لذلك الشيء .
فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي أنَّ الإتيان بالعمل الصَّالح إنما يفيد الأثر بشرط الإيمان ، وظاهر قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ، يدل على أن العمل الصالح يفيد الأثر سواء كان مع الإيمان أو عدمه .
فالجواب : أن إفادة العمل الصالح للحياة الطيبة مشروط بالإيمان ، أمَّا إفادته لأثرٍ غير هذه الحياة الطيبة ، وهو تخفيف العذاب ؛ فإنَّه لا يتوقف على الإيمان .
قال سعيد بن جبير - رحمه الله - وعطاء : " الحياة الطَّيِّبة : هي الرِّزقُ الحلال " {[20052]} ، وقال الحسن : هي القناعة{[20053]} ، وقال مجاهد وقتادة : هي الجنة{[20054]} .
قال القاضي : الأقرب أنها تحصل في الدنيا ؛ لقوله تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، والمراد : ما [ لا ]{[20055]} يكون في الآخرة .
قوله : " ولنَجْزِينَّهُمْ " ، راعى معنى : " مَنْ " ، فجمع الضمير بعد أن راعى لفظها ، فأفرد في : " لنحيينه " وما قبله ، وقرأ العامة : " ولنجزينه " ، بنون العظمة ؛ مراعاة لما قبله ، وقرأ ابن عامر في رواية بياء الغيبة ، وهذا ينبغي أن يكون على إضمار قسم ثان ، فيكون من عطف جملة قسميَّة على جملة قسمية مثلها ، حذفتا وبقي جوابهما ، ولا جائز أن يكون من عطف جواب على جواب ؛ لإفضائه إلى [ إخبار ]{[20056]} المتكلم عن نفسه إخبار الغائب ، ولا يجوز ؛ لو قلت : " زيد قال : والله لأضربن هِنْداً وليَنْفِينَّهَا زَيْدٌ " لم يجز ، فإن أضمرت قسماً آخر ، جاز ، أي : وقال : والله لينفينَّها ، فإن لك في مثل هذا التركيب أن تحكي لفظه ، ومنه : { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى } [ التوبة : 107 ] وأن يحكي معناه ، ومنه : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ } [ التوبة : 74 ] ، ولو جاء على اللفظ ، لقيل ما قلنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.