اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

قوله : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، اعلم أنه _سبحانه جل ذكره_ شرع في حكاية شبهات منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال ابن عباس _رضي الله عنه_ : كان المشركون إذا نزلت آية فيها شدة ، ثم نزلت آية ألين منها يقولون : إن محمداً يسخر بأصحابه ؛ يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً ، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله _تعالى_ : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ }{[20058]} ، والتَّبدِيل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه ، وهو هنا النسخ .

قوله : { والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } ، في هذه الجملة وجهان :

أظهرهما : أنها اعتراضٌ بين الشرط وجوابه .

والثاني : أنَّها حاليَّة ؛ فعلى الأول يكون المعنى : والله أعلم بما ينزِّل من الناسخ والمنسوخ ، والتغليظ والتخفيف ، أي : هو أعلم بجميع ذلك في مصالح العباد ، وهذا توبيخٌ للكفار على قولهم : " إنَّما أنْتَ مُفْتَرٍ " ، أي : إذا كان هو أعلم بما ينزِّل ، فما بالهم ينسبون محمداً إلى الافتراء ؛ لأجل التَّبديل والنسخ ، وقوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : لا يعلمون حقيقة القرآن ، وفائدة النسخ والتبديل ، وأن ذلك لمصالح العباد ، وقولهم : " إنَّما أنْتَ مُفتَرٍ " ، نسبوا إليه صلى الله عليه وسلم الافتراء بأنواع من المبالغات وهي الحصر والخطاب ، واسم الفاعل الدال على الثُّبوت والاستقرار ، ومفعول : " لا يعلمون " ن محذوف للعلم به ، أي : لا يعلمون أنَّ في نسخ الشَّرائع وبعض القرآن حكماً بالغة .


[20058]:ذكره الرازي في "تفسيره" (20/93).