اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

ثم ذكر الدَّليل القاطع على أنَّ ما عند الله خير فقال : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ } ، أي : الدنيا وما فيها تفنى ، { وَمَا عِندَ الله بَاقٍ } ، فقوله : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ } ، مبتدأ وخبر ، والنَّفادُ : الفَناءُ والذهاب ، يقال : " نَفِدَ " بكسر العين ، " يَنْفَدُ " ، بفتحها ، نفَاداً ونُفوداً ، وأما نفذَ بالذَّال المعجمة ففعله نَفَذَ بالفتح ، ينفذُ بالضمِّ ، وسيأتي .

ويقال : أنفد القوم : إذا فَنِيَ زادهم ، وخَصْمٌ مُنافِدٌ ؛ لينفد حجة صاحبه ، يقال : نافدته فنفدته .

وقوله : " بَاقٍ " ، تقدَّم الكلام عليه في الوقف في سورة الرعد ، وهذه الآية حجة عليه . قوله تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا } ، قرأ ابن كثيرٍ{[20050]} ، وعاصم وابن ذكوان : " وَلنَجْزينَّ " ، بنون العظمة التفاتاً من الغيبة إلى التكلُّم ، وتقدم تقرير الالتفات .

والباقون بياء الغيبة رجوعاً إلى الله - تعالى - ؛ لتقدم ذكره العزيز في قوله : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ } .

قوله : { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ } ، يجوز أن يكون [ " أفعل " ]{[20051]} على بابها من التفضيل ، وإذا جازاهم بالأحسن ، فلأن يجازيهم بالحسن أولى .

وقيل : ليست للتَّفضيل ، وكأنهم فرُّوا من مفهوم أفعل ؛ إذ لا يلزم من المجازاة بالأحسن المجازاة بالحسن ، وهو وهمٌ ، لما تقدَّم من أنَّه من مفهوم الموافقة بطريق الأولى ، والمعنى : ولنجزين الذين صبروا على الوفاءِ في السَّراء والضَّراء { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .


[20050]:ينظر: السبعة 375، والحجة 393، والحجة للقراء السبعة للفارسي 5/78 والقرطبي 10/114، والدر المصون 4/357.
[20051]:في ب: أحسن.