{ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله } ، أي : بتوفيقه ومعونته ، وهذا هو السبب الكلي الأصلي في حصول جميع أنواع الطاعات .
ولما ذكر هذا السبب الكليَّ الأصلي ، ذكر بعده ما هو السببُ الجزئي القريب ؛ فقال - جل ذكره- : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } ؛ وذلك لأنَّ إقدام الإنسان على الانتقام ، وعلى [ إنزال ]{[20148]} الضرر بالغير لا يكون إلا من هيجان الغضب ، وشدَّة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين :
أحدهما : فوات نفع كان حاصلاً في الماضي ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، قيل : معناه : ولا تحزن على قتلى " أحدٍ " ، أي : ولا تحزن بفوات أولئك الأصدقاء وقيل : ولا تحزن عليهم في إعراضهم عنك ، ويرجع حاصله إلى فوات النفع .
والسبب الثاني : أن شدَّة الغضب قد تكون لتوقع ضرر في المستقبل ، وإليه الإشارة بقوله : { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } ، ومن وقف على هذه اللَّطائف ، عرف أنَّه لا يمكن كلام [ أدخل ] في الحسن والضبط من هذا الكلام .
قوله : " للصَّابِرينَ " ، يجوز أن يكون عامًّا ، أي : الصبر خير لجنس الصَّابرين ، وأن يكون من وقوع الظَّاهر موقع المضمر ، أي : صبركم خير لكم .
قوله : " إلاَّ بالله " ، أي : بمعونته ، فهي للاستعانة .
قوله : " في ضَيْقٍ " ، قرأ ابن كثير{[20149]} هنا وفي النَّمل : بكسر الضاد ، والباقون : بالفتح ، فقيل : هما لغتان بمعنًى في هذا المصدر ؛ كالقول والقِيل .
وقيل : المفتوح مخفَّف من " ضَيِّق " ؛ ك " مَيْت " في " مَيِّت " ، أي : في أمر ضيِّق ، فهو مثل هَيْن في هيِّن ، و " لَيْن " في " لَيِّن " ، قاله ابن قتيبة .
وردَّه الفارسي{[20150]} : بأن الصفة غير خاصة بالموصوف ، فلا يجوز ادِّعاء الحذف ولذلك جاز : مررت بكاتب ، وامتنع بآكلٍ .
وأما وجه القراءة بالفتح ، قال أبو عبيدة الضيِّقُ بالكسر في قلَّة المعاش والمساكن ، وما كان في القلب ، فإنه الضَّيْق .
وقال أبو عمرو : " الضِّيقُ بالكسر : الشدَّة ، والضَّيقُ بالفتح : الغمُّ " .
قوله تعالى : { مِّمَّا يَمْكُرُونَ } ، متعلق ب " ضَيْقٍ " و " مَا " مصدرية ، أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف .
هذا من الكلام المقلوب ؛ لأن الضَّيق صفة ، والصفة تكون حاصلة في الموصوف ، ولا يكون الموصوف حاصلاً في الصفة ، فيكون المعنى : فلا يكن الضيق فيك ؛ لأن الفائدة في قوله : { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ } ، هو أنَّ الضِّيق إذا عظم وقوي ، صار كالشيء المحيط بالإنسان من الجوانب ، وصار كالقميص المحيط به ، فكانت الفائدة في هذا اللفظ هذا المعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.