اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ} (128)

{ إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا } المناهي ، { والذين هُم مُّحْسِنُونَ } وهذا يجري مجرى التهديد ؛ لأنه في المرتبة الأولى : رغب في ترك الانتقام على سبيل الرمز ، وفي الثانية : عدل عن الرمز إلى التصريح ، وهو قوله - عز وجل- : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } ، وفي المرتبة الثالثة : أمر بالصبر على سبيل الجزم ، وفي هذه المرتبة الرابعة : كأنه ذكر الوعيد على فعل الانتقام ، فقال : { إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا } ، عن استيفاء الزيادة ، { والذين هُم مُّحْسِنُونَ } : في ترك أصل الانتقام ؛ فكأنه قال : إن أردت أن أكون معك ، فكن من المتَّقين ومن المحسنين ، وهذه المعيَّة بالرحمة والفضل والتربية .

وقوله - تعالى- : { الذين اتقوا } ، إشارة إلى التعظيم لأمر الله ، وقوله - جل ذكره - : { والذين هُم مُّحْسِنُونَ } ، إشارة إلى الشفقة على خلق الله ، وذلك يدلُّ على أن كمال سعادة الإنسان في التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله - تعالى - .

قيل لهرم بن حيَّان عند قرب وفاته : أوص ، فقال : إنما الوصيَّة في المال ولا مال لِي ، ولكن أوصيك بخواتيم سورة النحل ، قال بعضهم : إن قوله - جل ذكره- : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } ، منسوخ بآية السيف ، وهذا في غاية البعد ؛ لأن المقصود من هذه الآية تعليم حسن الأدب في كيفيَّة الدَّعوة إلى الله - سبحانه وتعالى- ، وترك التَّعدي وطلب الزيادة ، ولا تعلق بهذه الأشياء بآية السيف والله أعلم بمراده .

ختام السورة:

روى أبو أمامة ، عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورَةَ النَّحل ، لم يُحاسِبْه الله - تعالى - بالنَّعِيم الذي أنْعَم عليه في دَارِ الدُّنيَا ، وأعْطِيَ مِنَ الأجْرِ كالذي مات فأحْسَن الوصيَّة " {[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.