اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (125)

قوله - تعالى - : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة } الآية ، لما أمر محمداً - صلوات الله وسلامه عليه - باتِّباع إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه ؛ فقال - عز وجل- : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة } .

يجوز أن يكون مفعول " ادع " مراداً ، أي : ادع الناس ، وألا يكون مراداً ، أي : افعل ، و " بِالحِكْمَةِ " حال ، أي : ملتبساً بها .

واعلم أنه - تعالى - أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو النَّاس بأحد هذه الطرق الثلاثة ، وهي : { بالحكمة والموعظة الحسنة } ، والمجادلة بالطريق الأحسن ، وذكر - تعالى - هذا الجدل في آية أخرى ، فقال - تعالى- : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] ، ولمَّا ذكر الله - تعالى - هذه الطرق الثلاثة ، وعطف - تعالى - بعضها على بعض وجب أن تكون طرقاً متغايرة .

واعلم أن الدَّعوة إلى المذاهب لابد وأن تكون مبنيَّة على حجة وبينة ، والمقصود من ذكر تلك الحجة : إما تقرير ذلك المذهب ، وذلك على قسمين ؛ لأن تلك الحجة إما أن تكون حجة قطعية مبرَّأة عن احتمال النقيض ، أو لا تكون كذلك ، بل تكون حجة تفيد الظن الظاهر ، والإقناع الكامل ، فظهر بهذا التقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة :

أولها : الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينيّة ، وذلك هو المسمَّى بالحكمة .

وثانيها : الأمارات الظنية ، و الدلائل الإقناعية ، وهي الموعظة الحسنة .

وثالثها : الدلائل التي يكون المقصود منها : إلزام الخصوم وإقحامهم ، وذلك هو الجدل ، ثم هذا الجدل على قسمين :

أحدهما : أن يكون دليلاً مركباً من مقدِّمات مسلمة عند الجمهور ، أو من مقدمات مسلمة عند ذلك الخصم ، وهذا هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن .

والقسم الثاني : أن يكون ذلك الدليل مركباً من مقدمات فاسدة باطلة ، إلاَّ أن قائلها يحاول ترويجها على المستمعين ، بالسَّفاهة والشَّغب ، والحيل الباطلة ، والطرق الفاسدة ، وهذا القسم لا يليق بأهل [ الفضل ]{[20142]} ، إنما اللائق بهم القسم الأول ، وهو المراد بقوله : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } .

فصل

قال المفسرون : قوله : " بالحِكْمَةِ " ، أي : بالقرآن ، " والمَوْعِظَةِ الحَسنَةِ " ، يعني : مواعظ القرآن . وقيل : " المَوعِظَة الحَسنَة " هو الدعاء إلى الله - تعالى - بالتَّرغيب والتَّرهيب ، وقيل : بالقول اللَّين من غير غِلَظٍ ولا تعنيف .

{ وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } ، ناظرهم بالخصومة ، " الَّتي هِيَ أحْسَنُ " ، أي : أعرض عن أذاهم ، أي : ولا تقصِّر في تبليغ الرسالة ، والدعاء إلى الحقِّ ، والآية نسختها آية القتال .

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } ، أي : إنَّك يا محمد مكلَّف بالدعوة إلى الله ، وأما حصول الهداية فلا يتعلق بك ، فهو أعلم بالضَّالين وأعلم بالمهتدين .


[20142]:في أ: العقل.