قوله - تعالى - : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } الآية .
لما زيَّف مذاهب المشركين في مواضع من هذه السورة ، وهي إتيانهم الشُّركاء والأنداد لله تعالى ، وطعنهم في نبوَّة الأنبياء عليهم السلام ، وقولهم : لو أرسل الله إليهم رسولاً ، لكان من الملائكة ، وتحليل الأشياء المحرَّمة ، وتحريم الأشياء المحللة ، وبالغ في إبطال مذاهبهم ، وكان إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - رئيس الموحِّدين ، وهو الذي دعا النَّاس إلى التوحيد والشرائع ، وإبطال الشرك ، وكان المشركون يفتخرون به ويعترفون بحسن طريقته ، [ ويقرون ]{[20123]} بوجوب الاقتداء به ، لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة ، وحكى على طريقته بالتوحيد ؛ ليصير ذلك حاملاً لهؤلاء المشركين على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك .
قوله تعالى : " أمَّةً " ، تطلق الأمة على الرَّجل الجامع لخصالٍ محمودة ؛ قال ابن هانئ : [ السريع ]
ولَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ *** أنْ يَجْمعَ العَالمَ في واحِدِ{[20124]}
وقيل : " فُعْلَة " ، تدلُّ على المبالغة ، " فُعْلَة " بمعنى المفعول ، كالدُّخلة والنُّخبة ، فالأمة : هو الذي يؤتم به ؛ قال - تعالى- : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] قال مجاهد : كان مؤمناً وحده ، والنَّاس كلهم كانوا كفَّاراً{[20125]} ، فلهذا المعنى كان وحده أمَّة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل : " يَبْعثهُ الله أمَّةً وحْدَهُ " .
وقيل : إنَّه - صلوات الله وسلامه عليه - هو السَّبب الذي لأجله جعلت أمَّته ممتازين عمَّن سواهم بالتَّوحيد والدِّين الحقِّ ، ولما جرى مجرى السبب لحصول تلك الأمة سمَّاها الله تعالى بالأمة إطلاقاً لاسم المسبب على السَّبب .
وعن شهر بن حوشب : لم تبق أرض إلاَّ وفيها أربعة عشر ، يدفع الله بهم البلاء عن أهل الأرض ، إلاَّ زمن إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - فإنَّه كان وحده{[20126]} . والأمة تطلق عل الجماعة ؛ لقوله - تعالى - : { أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ } [ القصص : 23 ] ، وتطلق على أتباع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- ، كقولك : نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتطلق على الدِّين والملَّة ؛ كقولهم : { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ } [ الزخرف : 23 ] ، وتطلق على الحين والزمان ؛ كقوله - تعالى - : { إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } [ هود : 8 ] وقوله - جل ذكره- : { وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] أي : بعد حين ، وتطلق على القامة ، يقال : فلانٌ حسن الأمة ، أي : حسن القامة ، وتطلق على الرجل المنفرد بدين لا يشرك فيه غيره ؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يُبْعَثُ زيْدُ بنُ عَمْرو بْنِ نُفيْلٍ يَوْمَ القِيامَةِ أمَّة وحْدَهُ " {[20127]} .
وتطلق على الأم ، يقال : هذه أمة فلان ، يعني : أمَّه ، وتطلق أيضاً على كل جنس من أجناس الحيوان ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام- : " لَوْلاَ أنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ من الأمَمِ لأمَرْتُ بِقتْلِهَا " {[20128]} .
وقال ابن عباس : - رضي الله عنه- : خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر .
قوله تعالى : { قَانِتاً لِلَّهِ } ، القانت : هو القائم بأمر الله تعالى . وقال ابن عبَّاس{[20129]} : مطيعاً لأمر الله تعالى .
قوله تعالى : " حَنِيفاً " : [ مائلاً ]{[20130]} إلى ملَّة الإسلام ميلاً لا يزول عنه ، وقيل حنيفاً : مستقيماً على دين الإسلام . وقيل : مخلصاً .
قال ابن عباس : إنه أول من اختتن وأقام مناسك الحج{[20131]} ، وهذه صفة الحنيفيَّة .
{ وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين } ، أي : أنَّه كان من الموحِّدين في الصِّغر والكبر ، أما في حال صغره : فإنكاره بالقول للكواكب على عدم ربوبيتها ، وأما في كبره : فمناظرته لملك زمانه ، وكسر الأصنام حتى آل أمره أنه ألقي في النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.