اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

نزلت في مهجع ، وبلال ، وصهيب ، وسالم ، وخبَّاب ، وكانوا يسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ، ولا يجد ، فيعرض عنهم حياء منهم ، ويمسك عن القول ، فنزلت : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } أي : وإن أعرضت عنهم عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم { ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا } انتظار رزق من الله ترجوه ، أي : يأتيك { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } ليِّناً ، وهو العدةُ ، أي : عدهم وعداً جميلاً{[20372]} .

قوله تعالى : { ابتغآء رَحْمَةٍ } : يجوز أن يكون مفعولاً من أجله ، ناصبه " تُعرضنَّ " وهو من وضع المسبَّب موضع السبب ، وذلك أنَّ الأصل : وإمَّا تعرضنَّ عنهم لإعسارك ، وجعله الزمخشريُّ منصوباً بجواب الشرط ، أي : فقل لهم قولاً سهلاً ؛ ابتغاء رحمة ، وردَّ عليه أبو حيَّان : بأنَّ ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ؛ نحو : " إن يقُم زيدٌ عمراً فاضْرِبْ " فإن حذفت الفاء جاز عند سيبويه والكسائيِّ ؛ نحو : " إنْ يقُمْ زيدٌ عمراً يَضْرِبْ " فإن كان الاسمُ مرفوعاً ؛ نحو " إنْ تَقُمْ زيدٌ يَقُمْ " جاز ذلك عند سيبويه على أنَّه مرفوع بفعلٍ مقدَّرٍ يفسِّره الظاهر بعده ، أي : إن تقم ، يَقُم زيدٌ يَقُمْ . ومنع من ذلك الفراء وشيخه .

وفي الردِّ نظر ؛ لأنَّه قد ثبت ذلك ؛ لقوله تعالى : { فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ } [ الضحى : 9 ] الآية ؛ لأنَّ " اليتيمَ " وما بعده منصوبان بما بعد فاءِ الجوابِ .

وقيل : إنه في موضع الحالِ من فاعل " تُعرِضنَّ " .

قوله تعالى : { مِّن رَّبِكُمْ } يجوز أن يكون صفة ل " رحمةٍ " ، وأن يكون متعلقاً ب " تَرْجُوها " أي : ترجُوهَا من جهة ربك ، على المجاز .

وقوله : " ترجوها " يجوز أن يكون حالاً من فاعل " تُعرِضنَّ " ، وأن يكون صفة ل " رَحمةٍ " .


[20372]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/112).