ثم بيّن تعالى{[32813]} الهلاك الذي أنزل عليهم بقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة بالحق } قيل : إن جبريل - عليه السلام{[32814]} - صاح بهم صيحةً عظيمةً فهلكوا . وقال ابن عباس : الصيحة الرجفة{[32815]} . وعن الحسن : الصيحة نفس العذاب والموت . كما يقال فيمن يموت : دعي فأجاب .
وقيل : هي العذاب المصطلم{[32816]} ، قال الشاعر :
صاح الزمان بآل برمك صيحة *** خروا لشدتها على الأذقان{[32817]}
والأول أولى لأنه الحقيقة{[32818]} .
قوله : «بالحقِّ » أي : دمرناهم بالعدل ، من قولك : فلانٌ يقضي بالحق إذا كان عادلاً في قضائه {[32819]} . وقال المُفضل : «بالحقِّ » بما لا مدفع له كقوله{[32820]} : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ{[32821]} }{[32822]} [ ق : 19 ] .
قوله : «فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً » الجعل بمعنى : التصيير ، و «غُثَاءً » مفعول ثان ، والغُثَاء : قيل : هو الجفاء ، وتقدم في الرعد{[32823]} ، قاله الأخفش{[32824]} وقال الزجاج : هو البالي من ورق الشجر والعيدان إذا جرى السيل خالط زبده واسود{[32825]} ، ومنه قوله : «غُثَاءً أَحْوَى »{[32826]} وقيل : كل ما يلقيه السيل والقدر مما لا ينتفع به{[32827]} ، وبه يُضْربُ المثل في ذلك ولامه واو ، لأنه من غَثَا الوادي يَغْثُوا غَثْواً ، وكذلك غَثَتِ القِدر ، وأمّا غَثِيَتْ نَفْسُهُ تَغْثِي غَثَيَاناً ، أي : خَبُثَتْ . فهو قريب من معناه ، ولكنه من مادة الياء {[32828]} .
وتشدد ( ثاء ) الغُثَاء ، وتُخفَّف ، وقد جمع على أَغْثَاء ، وهو شاذ ، بل كان قياسه أن يجمع على أغْثِية ، كَأغْرِيَة ، وعلى غِيثَان ، كغِرْبَان ، وغِلْمَان{[32829]} وأنشدوا لامرئ القيس :
مِنَ السَّيْلِ والغُثَّاءُ فَلْكَةَُ مِغْزَلِ{[32830]} *** . . . بتشديد الثاء ، وتخفيفها ، والجمع ، أي : والأَغْثَاء .
قوله : { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين } «بُعْداً » مصدر يذكر بدلاً من اللفظ بفعله فناصبه واجب الإضمار لأنه بمعنى الدعاء عليهم ، والأصل : بَعُدَ{[32831]} بُعْداً وبَعَداً نحو رَشُدَ رُشْداً ورَشَداً{[32832]} وفي هذه اللام قولان :
أظهرهما : أنها متعلقة بمحذوف للبيان ، كهي في سَقْياً له ، وجَدْعاً له . قاله الزمخشري{[32833]} .
والثاني : أنَّها متعلقة ب «بُعْداً » قاله الحوفي{[32834]} . وهذا مردود ، لأنه لا يُحفظ حذف هذه اللام ، ووصول المصدر إلى مجروها ألبتة ، ولذلك منعوا الاشتغال في قوله : { والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ }{[32835]} [ محمد : 8 ] لأن اللام لا تتعلق ب «تَعْساً » بل بمحذوف ، وإن كان الزمخشري جَوَّز ذلك{[32836]} ، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى{[32837]} .
«فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً » صيرناهم {[32838]}هلكى فَيَبِسُوا يَبْسَ الغثاء من نبات الأرض ، «فَبُعْداً » بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير «لِلقَوْمِ الظَالِمِينَ » الكافرين ، ذكر هذا على وجه الاستخفاف والإهانة لهم{[32839]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.